بالرغم من الظروف التي يمر بها بلدنا العزيز وتفشي جائحة فيروس كورونا وفي ضل توجيهات الجامعة في ‏القاء ‏المحاضرات عبر المنصة الالكترونية ‏
القى الدكتور غانم عودة شرهان الحسيني التدريسي في مركز احياء التراث العلمي العربي / جامعة بغداد وباشراف مباشر من ‏مدير ‏المركز الاستاذ الدكتوررياض سعيد لطيف سمنار ‏بعنوان (الحقل ‏السيميائي ) يوم الخميس الموافق 30/7/2020‏
معرفاً مصطلح (‏semiotique‏) يستدعي – حتما- ادراك المفهوم الاغريقي للحد ” ‏semeion‏” الذي يحيل على ” سمة مميزة ‏marque ‎، ‏‎( distinctve‎‏) اثر( ‏trace‏) ، قرينة ( ‏lndice‏) ، علامة ‏منذرة ‏signe، ‏‎( precutive‎‏ دليل( ‏preuve‏) ، علامات منقوشة او مكتوبة ‏esing grave‏ ‏
بصمة( ‏Empreinte‏) ، تمثيل تشكيلي( ‏figuration‏) ‏
هذه العلامات ( اللغوية وغير اللغوية) هي الموضوع المفترض لعلم جديد،نشأ بين نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، يسمى( السيميائية: )( ‏semiotique‏) حينا، و( السيميولوجيا: ‏semiollogie‏) حينا اخر، باسهام أوربي وامريكي مشترك ، وفي فترتين متزامنتين نسبيا؛ على يدي العالم اللغوي السويسري فردينان دو سو سير/ والفيلسوف الامريكي شارلز سندرس بيرس فقد ‏صار لزاما على اي باحث في تاريخ هذا الحقل المعرفي ان يستعيد شهادة ميلاد السيميولوجيا من إشارة دوسوسير الرائدة التي أوردها في محاضراته الالسنية العامة، مبشرا بعلم جديد لاتشكيل الالسنية ‏ذاتها الا جزءا منه: (( ان اللغة نسق من العلامات ، يعبر عن افكار ، ومنه فهي مشابهة للكتابة، وأبجدية الصم والبكم، والطقوس الرمزية، وأشكال المجاملة والاشارات العسكرية،.. الخ.. انها- وفقط- ‏الأهم بين كل هذه الانساق.‏
يمكننا – اذن-ان تتصور علما يدرس حياة العلاقات في كنف الحياة الاجتماعية؛ قد يشكل قسما من علم النفس الاجتماعي ، وإذن من علم النفس العام ، سنسميه السيميولوجيا- ‏semiologie‏- ( من ‏الكلمة الاغريقية ‏semeion‏ بمعنى علامة/ ‏singe‏) التي يمكن ان تنبئنا بما تتكون منه العلامات ، والقوانين التي تحكمها . وبما ان هذا العلم لما يوجد بعد، فاننا لا نعرف ما سيؤول اليه ، لكنه حقيق ‏بالوجود، ومحدد المكانة سلفا . ان الالسنية ليست الا قسما من هذا العلم العام الذي ستغدو القوانين التي يكتشفها قابلة للتطبيق على الألسنة، وهكذا ستجد هذا الاخير نفسها مرتبطة بمجال دقيق التحديد ‏ضمن مجموع الوقائع البشرية))‏
على ان رولان بارت مو اشهر من نقض هذه المتراجحة ” السوسيرية” التي تفترض ان ماهو ” سيميولوجي يتجاوز( ‏Deborde‏) )الألسني” ، عن قناعة منه بان العلامات الغيرية ( ‏objectaux‏) ‏غير اللغوية، لا تكتمل هويتها مالم يتحدث عنها لغويا ، اي قبل ان تصبح علامات لفظية( ‏verbeaux‏) ‏
وراح ينقل تلك المتراجحة الى الشكل العكسي الجديد( الالسنية، السيميولوجيا)، مجسدا ذلك افضل تجسيد في كتابه( نظام الموضة) الذي محضه لدراسة عالم الأزياء والاناقةوما في حكم ذلك من ‏علامات غير لغوية ، الا انه تجاوزلالغوية هذه العلامات ، اذاعرب عن انه (( لايشتغل على الموضة الحقيقية بل على الموضة المكتوبة))اي على الازياء ، كما تصورهاجرائد الموضة. ولم يفته- ‏لأجل تأكيد فرضيته- ان يطلق العنان لهذا السيل من الاستفهامات الانكارية:‏
‏(( هل هناك نسق واحد من المرضوعات ( المواد) ، متسع نسبيا، يقوم على الامتناع عن اللغة المنطوقة( المقطعة) ؟ أليس الكلام هو البديل المحتوم لكل نظام دال؟)) ، مقررا- في الاخير – ان (( ‏الانسان محموم باللغة المتطوقة ( ‏Lhomme‏) ولايمكن لاي مؤسسة سيميولوجية ان تتجاهل ذلك، ربما يجب ان نعكس صياغة دوسير، وان نقرر
ان السيميولوجيا جزءا من الالسنية.‏
واذا كان دوسوسير يتحدث، في الفقرة السابق بلغة تصورية، تستشرق علما( لما يوجد!) وتتنبأ بميلاده وضرورة وجوده ، تدلنا عليها هيمنةصيغ فعل المستقبل، في ذلك السياق التاريخي( سنة1910 ‏تحديدا) ، فان ذلك لايعني الا عدم اطلاعه على صنيع نده” بيرس” في الولايات المتحدة الامريكية؛ حيث يكون قد مارس فعلا ما كان دو سوسيز يدعو اليه، وان لم يخلف اثرا متمسكا يمكن الباحث ‏من الخروج بحوصلة تامة لمذهب في هذا العلم ( وهو سر عدم معرفة سوسيز له،مناضفا الى التباعد المكاني وعسر الحال الثقافية آنذاك..) ، الا ان معظم السيميائيين يقرون بفضله العلمي عليهم؛ ‏وتلخص هذا الفضل في قول جوليا كريستيفا:(( .. نحن مدينون فعلا فعلا لشارل ساندرس بوس بالاستخدام الحديث لمصطلح السيميائيات ))، ومع هذا الفيلسوف(( صارت السيميائية اختصاصا مستقلا ‏حقيقة، انها بالنسبة اليه إطار مرجعي يضم كل دراسة اخرى)) ، في الرياضيات او الاخلاقيات او الماوراثيات او الصوتيات او الكيمياء او التشريح اوالاقتصاد او علم النفس او تاريخ العلوم .. ؛ لقد ‏أغرق كل هذه العلوم في فضاء علامي فسيح ، يرتد الى تقسيم ثلاثي ( قرينة- أيقونة- رمز) تتفرع عنه تثليثات متلاحقة، تتحول العلامة – عبرها – الى علامة أخرى ؛ قد لا تحتل الا على نفسها ، في ‏مسلسل علامي متواصل الحلقات،حتى بلغ مجموع تحديده ستة وستين نوعا من العلامات
وفي سنة 1969 ، تتاسس ” الجمعية الدولية للسيميائية” ( التي تولى أ. ج. غريماس أمانتها العامة) وتعقد مؤتمرات وملتقيات من حولها ، وتصدر مجلة فصلية ( ‏semiotica‏) ، واتنشئ فرق بحث ‏تابعة لها.‏
وفي سنة1979، يصدر قاموسان متخصصان ؛ أحدهما لجوزيت رأي دبوف والاخر – وهواعقد واضخم في المادة والمعالجة- لجوليان غريماس وجوزيف كورتاس
استعصى على الباحثين العرب حتى ان يترجموا عنوانه بصيغة موحدة
وقد انتقلت السيميائيةالى الوطن العربي، في وقت متاخر نسبيا، فهرعت الدراسات اليها تترى وعقدت لها ملتقيات ، وأسست لها جمعيات ( على غرار ” رابطة السيميائيين الجزائريين” ومجلات ( ‏على غرار مجلة ” دراسات سيميائية ادبية لسانية” المغربية – 1987) ، ومحضت لها قواميس متخصصة( كما فعل التهامي الراجي الهاشمي، ورشيد بن مالك ، وسعيد بنكراد) ، وصارت مادة من ‏مواد الدراسة في اقسام اللغة العربية وآدابها، ومنهجا ينتهجه كثير من النقاد العرب المعاصرين،
كمحمد مفتاح ومحمد الماكري وانور المرتجي وقاسم المقداد وعبد الله الغذامي وصلاح فضل وعبد الملك مرتاض وعبد القادر فيدوح وعبد الحميد بورايو وحسين خمري ورشيد بن مالك وسعيد ‏بوطاجين ومحمد الناصر العجيمي.‏
وفي الختام اتقد بالشكر والعرفان لمركز احياء التراث العلمي العربي بنشر البحث الموسوم ب( بمصطلح السيميائية) كما اود ان اشكر الاستاذ الدكتور رياض السامرائي مدير المركز لحرصه ومتابعة ‏نشر البحوث وكل العاملين

RashcAuthor posts

Avatar for rashc

مركز احياء التراث العلمي العربي مركز يعنى بالتراث العربي

No comment

اترك تعليقاً