بالرغم من الظروف التي يمر بها بلدنا العزيز وتفشي جائحة فيروس كورونا وفي ضل توجيهات الجامعة في ‏القاء ‏المحاضرات عبر المنصة الالكترونية ‏
القى الاستاذ المساعد الدكتور احمد عبد الواحد عبد النبي التدريسي في مركز احياء التراث العلمي العربي / جامعة بغداد وباشراف مباشر من ‏مدير ‏المركز الاستاذ الدكتوررياض سعيد لطيف ‏سمنار ‏بعنوان (المواطنة في التاريخ المعاصر ) يوم الخميس الموافق 15/10/2020 ‏…
‏ ‏
‏ متحدثاً عن اتساع تداول مصطلح المواطنة لما يحمله من معاني المشاركة في الحياة السياسية ‏والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ إن صفة المواطن لا تعني فقط الانتساب للوطن، ‏والارتباط به ‏كتابع، وإنما هو بهذه الصفة عنصر فاعل في مختلف المجالات، له كيانه ‏المستقل، وقناعاته الخاصة، ومن حقه أن يعبر بحرية عن آرائه واختياراته الشخصية، ‏وأن يضطلع بدور إيجابي في الحياة ‏العامة ولا يستقيم البناء الديموقراطي لأي دولة دون ‏تجلي روح المواطنة في علاقات كل فرد من المجتمع بمؤسسات الدولة التي يعد الهدف ‏الأساسي من وجودها هو خدمة (المواطنين) وتوفير ما ‏يحتاجون إليه في حياتهم الفردية ‏والجماعية، من أمن واطمئنان واستقرار، والسهر على تنظيم شؤونهم العامة انطلاقا من ‏خياراتهم، ووفق رغباتهم وحاجاتهم، وفي المقابل يرتبط المواطنون بالولاء ‏الكامل ‏للوطن الذي لا يعني مجرد حيز جغرافي، وعلم يرفرف فوق البنايات الرسمية، وإنما ‏يشمل في مفهومه الواسع مجموعة من القيم والمبادئ والقضايا التي تعكس الإرادة العامة ‏للمواطنين‎.‎
وقسم السمنار الى ثلاث محاور ‏‎:‎
ـ ماهية المواطنة وتطور مفهومها
ـ مقومات المواطنة في التاريخ المعاصر ‏
ـ التربية على المواطنة
أ _ ماهية المواطنة:‏
ولتحديد ماهية مصطلح (المواطنة) نرجع إلى أصل الكلمة فنجد أنها بالنسبة للغة العربية من الكلمات المستحدثة ، ودخلت إليها على الأرجح في إطار ترجمة التراث الغربي الحديث، وهي تقابل كلمة ‏‏(‏Citizenship‏) في اللغة الإنجليزية، وكلمة (‏Citoyenneté‏) في اللغة الفرنسية، وكلمة (‏Ciudadania‏) في اللغة الإسبانية، ويأتي الاشتقاق من كلمة (‏City‏) الإنجليزية، و(‏Cité‏) الفرنسية، و ‏‏(‏Cuidad‏) الإسبانية، وتعني هذه الكلمات في اللغات المذكورة المدينة؛ أما أصل مصطلح )المواطنة (فهو يوناني، ويرجع لكلمة (‏Politeia‏) المشتقة من كلمة (‏Polis‏)وهي المدينة.‏
وقد اشتقت كلمة المواطنة في اللغة العربية كما هو واضح من الوطن، وجاء في كتاب لسان العرب لابن منظور أن » الوطن : المنزل الذي تقيم به، وهو موطن الإنسان، ومحله، والجمع أوطان« ‏وتترجم كلمة المواطنة في بعض المعاجم العربية، بأنها الاسم الذي يطلق على حقوق وواجبات المواطن، وكلمة المواطن وفق المفهوم الغربي الذي اشتق منه، هو الفرد الذي ينتمي لدولة معينة، ‏ويقيم فيها بشكل معتاد ولو لم يولد بها كحالة اكتساب الجنسية، ويحدد الدستور والقوانين العلاقات بين المواطن والدولة وتشمل الحقوق والحريات والامتيازات التي يتمتع بها المواطن، وواجباته ‏ومسؤولياته والتزاماته تجاه وطنه، وبالتالي يمكن القول بأن المواطنة تعني الروابط القانونية والسياسية التي تجمع الفرد المواطن بوطنه.‏
‏: ب _ تطور مفهوم المواطنة:‏
ومفهوم المواطنة في العصر الحاضر يجد جذوره في الفلسفة اليونانية وفي الممارسة الديموقراطية البدائية في أثينا، ولو أن تلك الممارسة كانت تقصي النساء والعبيد، فقد كانت تنبني على مبدأ تساوي ‏الذكور الأحرار في اتخاذ القرارات المتعلقة بتدبير الشأن العام، أي التساوي في المشاركة السياسية، الأمر الذي يشكل عنصرا جوهريا في المفهوم الحديث للمواطنة.‏
ولا نعثر على كلمة (المواطنة) في التراث العربي الإسلامي، غير أن ما تعبر عنه هذه الكلمة في العصر الحاضر، من قيم الحرية والعدل والمساواة والمشاركة والمسؤولية، تعد من المبادئ التي دعا ‏إليها الإسلام، ومع تطور الديموقراطية، أصبحت الحقوق التي تخولها المواطنة، كالمشاركة في الحياة السياسية وفي اتخاذ القرارات، ترتبط بحرية تأسيس الأحزاب والنقابات والجمعيات المدنية، ‏وحرية الانتماء إليها، والمشاركة من خلالها في تكوين الرأي العام، وبلورة توجهاته؛ وهنا يتبين الارتباط الوثيق بين المواطنة والديموقراطية، فلا مواطنة دون توفر مقومات النظام الديموقراطي ‏السليم، الذي يقوم أساسا على سلطة المؤسسات المنبثقة من الشعب، ويضمن الحريات الفردية والجماعية، واحترام حقوق الإنسان، والتعددية الحزبية التلقائية، التي يفرزها اختلاف المصالح، وتعدد ‏وجهات النظر حول أساليب تدبير الشأن العام.‏
وفي العصر الحديث الذي يتميز بالتكتلات السياسية والاقتصادية الكبرى، بدأت تبرز أشكال جديدة للمواطنة، لا تنحصر فيها روابط المواطن بالدولة التي ينتمي إليها، وإنما تتسع هذه الروابط لتشمل ‏مجموعة من الدول التي تجمع بينها مواثيق لتنسيق وتوحيد مواقفها وبرامجها السياسية والاقتصادية والثقافية، كما هو الحال بالنسبة للاتحاد الأوربي
ج: مقومات المواطنة:‏
من خلال ما تقدم يتبين أن المواطنة ليست وضعية جاهزة يمكن تجليها بصورة آلية عندما تتحقق الرغبة في ذلك، وإنما هي صيرورة تاريخية، ودينامية مستمرة، وسلوك يكتسب عندما تتهيأ له ‏الظروف الملائمة، وهي ممارسة في ظل مجموعة من المبادئ والقواعد، وفي إطار مؤسسات وآليات تضمن ترجمة مفهوم المواطنة على أرض الواقع؛ وإذا كان من الطبيعي أن تختلف نسبيا هذه ‏المتطلبات من دولة إلى أخرى، ومن زمن إلى آخر بسبب اختلاف الثقافات والحضارات، والعقائد والقيم، ومستوى النضج السياسي، فإنه لابد من توفر مجموعة من المقومات الأساسية المشتركة، ‏ووجود حد أدنى من الشروط التي يتجلى من خلالها مفهوم المواطنة في الحياة اليومية للمواطنين، وفي علاقاتهم بغيرهم، وبمحيطهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي

 

RashcAuthor posts

Avatar for rashc

مركز احياء التراث العلمي العربي مركز يعنى بالتراث العربي

No comment

اترك تعليقاً