بالرغم من الظروف التي يمر بها بلدنا العزيز وتفشي جائحة فيروس كورنا وفي ظل توجيهات الجامعة في القاء المحاضرات عبر المنصة الالكترونية
القى الاستاذ المساعد الدكتور احمد عبدالواحد عبدالنبي التدريسي في مركز احياء التراث العلمي العربي / جامعة بغداد وباشراف مباشر من رئيس المركز الاستاذ الدكتور مجيد مخلف طراد محاضرة بعنوان (الباشا نوري السعيد ودوره في السياسة العراقية بالعهد الملكي) يوم الاحد الموافق 10/5/2020
معرفاً به هو نوري بن سـعيد بن صالح ابن الملاطة، من عشيرة القره غولي البغدادية. سياسي، عسكري المنشأ، ولد ببغداد عام 1888، من عائلة من الطبقة الوسطى، حيث كان والده يعمل مدققاً في إحدى الدوائر في العهد العثماني وتعلم في مدارسها العسكرية. وتخرج بالمدرسة الحربية في الاستانة عام 1906 ودخل مدرسة أركان الحرب فيها عام 1911 وحضر حرب البلقان الأولى عام 1912 وشارك في اعتناق (الفكرة العربية) أيام ظهورها في العاصمة العثمانية .
عسكري وسياسي من قادة العراق ومن أساطين السياسة العراقية والعربية وعرابها إبان الحكم الملكي، وزير ورئيس وزراء لفترات متعددة ساهم بتأسيس عصبة الأمم وهيئة الأمم المتحدة والجامعة العربية التي كان يطمح بترأسها، كانت له ميول نحو مهادنة بريطانيا على الرغم من حسه الوطني العالي. بدأ حياته ضابطا في الجيش العثماني وشارك بمعارك القرم شمال البحر الأسود بين الجيش العثماني والجيش الروسي وبعد خسارة العثمانيين عاد لوحده من القرم إلى العراق، قاطعا مسافات كبير ما بين سيراً على الأقدام أو على الدواب. انتمى إلى الجمعيات السرية المنادية بإستقلال العراق و العرب عن الدولة العثمانية ثم شارك في الثورة العربية الكبرى مع الشريف حسين بن علي عام 1916، كما انه قد اختير لعضوية المجلس التأسيسي للعراق عام 1920 من قبل الحكومة البريطانية في العراق برئاسة المندوب السامي السير پرسي كوكس حيث تشير المراسلات والوثائق البريطانية بأن المس بيل كتبت بعد أول لقاء لها مع نوري السعيد: ” إننا نقف وجهاً لوجه أمام قوة جبارة ومرنة في آن واحد، ينبغي علينا نحن البريطانيون إما أن نعمل يداً بيد معها أو نشتبك وإيّاها في صراع عنيف يصعب إحراز النصر فيه” وفي اعتقاد السفير البريطاني في بغداد پيترسون بان، نوري باشا ظلّ لغزاً كبيراً، لأنه بات بعد العام 1927 وتحديدا بعد انتحار رئيس الوزراء عبد المحسن بيك السعدون: صعب الإقناع في بلد لم يتعود الإذعان لرجل أو الخضوع لسلطة.
لقد كان الباشا نوري السعيد دبلوماسيا من الطراز الأول يتحدث الإنكليزية بطلاقة، كان يبدو في مظهره جاداً وحازماً بل وقاسياً عند الضرورة، حاد الطبع، عصبي المزاج، سريع الغضب، الصفات التي لازمته طيلة حياته السياسية، حتى قيل عنه أنه كثيراً ما كان يشترك في المشاجرات والمشاحنات، لكنه إذا ما أراد الوصول إلى غاية ما أو تكريس سياسة ما، فإنه لا يثور ولا يتأثر، بل يتحمل النقد اللاذع من خصومه ويتعمد الغموض في أحاديثه ويوحي لمخاطبيه عن قصد بإشارات متناقضة أو تنطوي على تفسيرات متعددة، وبالفعل، كان الباشا مناوراً بصورة فريدة، يعرف كيف يستغل الظروف والمتغيرات ويكرّسها لخدمة أهدافه. كان ميكافيلياً بالفطرة، يؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة، فكان يجيد اختيار ساعته ويعرف كيف يقتنص الفرص الثمينة لتقوية أوراقه الرابحة وله مبدأ خاص في الحكم عرف به وهو مبدأ ”خذ وطالب”.
تولى الباشا نوري السعيد منصب رئاسة الوزراء في العهد الملكي اربعة عشر مرة:
23 اذار 1930 – 19 تشرين الاول 1932.
20 تشرين الاول1932 – 27 تشرين الاول 1932.
25 ايلول 1938 – 6 نيسان 1939.
7 نيسان 1939 – 21 شباط 1940.
22 شباط1940 – 21 اذار1940.
9 تشرين الاول 1941 – 8 تشرين الاول 1942.
9 تشرين الاول 1942 – 25 كانون الاول 1943.
26 كانون الاول1943 – 3 حزيران 1944.
21 تشرين الثاني1946 – 11 اذار 1947.
6 نيسان1949 – 10 كانون الاول 1949.
15 كانون الاول 1950 – 10 حزيران 1952.
2 أب 1954 – 17 كانون الاول 1955.
18 كانون الاول 1955 – 8 شباط 1957.
3 اذار 1958 – 13 ايار 1958.
والى جانب ما ذكر فقد وقع الباشا نوري السعيد في عام 1930 ، المعاهدة الأنجلو عراقية للتحالف لمدة 25 سنة. وكان من أهم القرارات السياسية في حياة نوري السعيد هو دوره في تشكيل حلف بغداد عام 1954 والأتحاد الهاشمي بين العراق والأردن عام 1958.
وتشير الموسوعة البريطانية الى ان الباشا نوري السعيد كان الدبلوماسي الأول والأكثر شهرة في العالم العربي خلال فترة مابين الحربين العالميتين. كما وصف بأنه رجل الغرب في العالم العربي، وكانت لديه من المواقف القومية ما يعد في حسابات اليوم منتهى الراديكالية، وكان مقتنعا بأن لابد للعراق أن يعتمد على دولة كبرى ليردع أعداه.
وفاته
بعد سماع نوري باشا السعيد للتفاقم المتلاحق الاحداث بعد اعلان الجمهورية والتي لم تمنحه الوقت الكافي لاللمقاومة ولاللهرب ، الا انه حاول الاختباء ولمدة يومين كاملين تمهيدا للهرب ومقاومة النظام الجديد وقد عرف نوري السعيد بمقدم قوة عسكرية من المهاجمين بغرض القاء القبض عليه ، وتنكر ليتمكن من العبور من بين المهاجمين والحشود الملتفة حولهم ، استقل سيارة انطلق بها إلى منطقة الكاظمية لاجئا لبيت صديقه الحاج محمود الاستربادي التاجر الكبير وعميد عائلة الاستربادي المعروفة ، كما فعلها سابقا بعد حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 حيث لجأ نوري السعيد إلى بيت الحاج محمود الاستربادي والذي ساعده على الانتقال خارج بغداد إلى محافظة العمارة وانتقل من هناك إلى خارج العراق مع الوصي عبد الاله ليتدبروا اسقاط حكومة الكيلاني يومذاك .
وبعد جلاء الموقف امام القادة الجدد ادركوا مخاوفهم بان هرب نوري السعيد المعروف بدهائه وحنكته سيسبب لهم مصاعب جمة وربما باسلوبة واطلاعه على خبايا الامور سيقنع الإنجليز بالاطاحة بالحكم الجمهوري الجديد. وفي مساء 14 تموز 1958 اعلن عن مكافئة مالية للقبض على السعيد ، وتوالت اعلانات هرب نوري السعيد بشكل هستيري من خلال بيانات اذاعتها وزارة الداخلية من دار الاذاعة العراقية مما وجه اهتمام الشارع نحو البحث عن السعيد بشكل تراجيدي محموم ، واسقطت من يد السعيد كل محاولات اللاختباء والهرب وبدأت تضيق الدائرة حول تحركاته ، كان هدفه ان لا يبقى مختبئا بل الفرار إلى خارج العراق ليتدبر امر مقاومة النظام الجديد. وفي يوم 15 تموز انطلق على وجه السرعة تاركا خلفه بيت الاسترابادي في محاولة منه للتقدم بخطوة للامام نحو خارج العراق متوجها نحو بيت الشيخ محمد العريبي عضو مجلس النواب وأحد المقربين في منطقة البتاويين وسط بغداد التي كانت تأن مشاعر الفوضى والفرح جراء سقوط النظام الملكي وانهيار الدولة. توجه السعيد على عجل إلى البتاويين تعرف اليه أحد الشبان في منطقة الكاظمية وهو يروم الركوب في السيارة بعد ان انكشفت ملابسه التنكرية ، ابلغ الشاب السلطات بتزويدها برقم السيارة المنطلقة. وبعد اجتياز عدد من الحواجز والطرقات الفرعية بصعوبة جمة ، وصل إلى بيت البصام وتصحبه الحاجة زوجة الحاج محمود الاستربادي للدلاله ، وبعد ترجله من السيارة تعرفت المفارز الامنية على السيارة فتمت ملاحقته وما لبث ان تطورت المواجهة إلى اشتباك بالاسلحة الخفيفة بين نوري السعيد وعناصر القوة الامنية حيث اصابت رصاصة طائشة اثناء تبادل اطلاق النار، السيدة الاسترابادي واردتها قتيلة، في حين حوصر السعيد ولم يتمكن من دخول البيت او الهرب عبر الازقة المجاورة، وهنا اختلفت الروايات حول مصرع الباشا فاحدى الروايات تذكر بانه اصيب بعدد من الاطلاقات من قبل أحد عناصر القوة المهاجمة والتي ادت إلى وفاته ، وتذكر رواية اخرى وردت في مذكرات الدكتور صالح البصام أحد اصدقاء نوري السعيد الشخصيين ، بانه عندما وجد نفسه محاصرا وان مصيره سيكون مشابه لمصير الامير عبد الاله فانه اطلق على نفسه رصاصة الرحمة، كي لايعطي فرصة لخصومة بالامساك به واهانته وتعذيبه.
وهنالك رواية اخرى بان وزارة الدفاع ارسلت مفرزة عسكرية بامرة العقيد وصفي طاهر للتحقق من ذلك، وعند وصول المفرزة اطلق النار عليه ، وكانه كان بانتظارهم طوال فترة وصول المعلومات للقيادة ومن ثم تجهيز المفرزة والذهاب إلى البتاويين البعيدة عن وزارة الدفاع ومن ثم الاستدلال على مكان الاشتباك، ويورد بعض الشهود من المتجمهرين بانه وعندما وصل وصفي طاهر كان نوري السعيد قد مات منذ فترة وقام طاهر باطلاق بعض الاعيرة النارية ابتهاجا بمصرع الباشا على مكان الحادث بضمنها جثة السعيد.
لقد مات الباشا نوري السعيد رحمه الله ولم يترك لأهله أي مال أو تركة وقد قامت الحكومة البريطانية بتخصيص مبلغ قليل لزوجته يكاد يكفي لسد رمقها.
يذكر ان للباشا نوري السعيد مؤلفات كان ابرزها:
أحاديث في الإجتماعات الصحفية.
استقلال العرب ووحدتهم.
No comment