بالرغم من الظروف التي يمر بها بلدنا العزيز وتفشي جائحة فيروس كورونا نظم قسم توثيق بغداد في مركز احياء التراث العلمي العربي / جامعة بغداد وبأشراف مباشر من مدير المركز الاستاذ الدكتور رياض سعيد لطيف ورشة عمل بعنوان (الصحافة واثرها في توثيق الحياة البغدادية في العهد الملكي ) يوم الثلاثاء الموافق 27/10/2020 الساعة العاشرة صباحاً وبحضور عدداً من الاساتذة والباحثين وعلى قاعة الاستاذة نبيلة في مركزنا وحسب توجيهات خلية الازمة في التباعد الاجتماعي . ترأس الورشة رئيس قسم توثيق بغداد الدكتورة خمائل شاكر الجمالي والقى المحاضرة الاولى الاستاذ المساعد الدكتور احمد عبد الواحد عبد النبي
التدريسي في مركزنا وعنوان محاضرته (موقف الصحافة البغدادية من الحريات العامة في العهد الملكي)
دخل العراق بعد الحرب العالمية الثانية مرحلة جديدة من مراحل نموه السياسي، انعكست عليها التغيرات السياسية والاقتصادية والإجتماعية التي أفرزتها الحرب، اذ جاءت هذه المرحلة وليدة الظروف التي واجهت العراق الملكي في فترة الحرب، ومنها المعاناة التي مر بها البلد، وإنعدام الحرية والديمقراطية، وإصدار المراسيم والإجراءات التي قيدت الحرية السياسية.
إن الدعوة لإطلاق الحريات العامة التي كفلها الدستور العراقي هي ابرز دعواته للإصلاح الدستوري والسياسي ومن أهم مقوماته لقيام النظام الديمقراطي السليم. اذ نصت الفقرة (12) من الدستور العراقي على “إن للعراقيين حرية إبداء الرأي ونشره والإجتماع وتأليف الجمعيات والانضمام إليها ضمن حدود القانون. كما إستمرت الصحف البغدادية بالمطالبة بالحريات العامة ومنها حرية الصحافة وعدم استعمال أي سلاح للتعطيل ضدها.
كما طالبت صحيفة ((صوت الأهالي)) بإلغاء الأحكام العرفية، وإلغاء الرقابة على الصحف وغير ذلك من أساليب الحكم الدكتاتوري والتي تتنافى مع نظام الحكم الديمقراطي، ونبهت إلى الخطر الذي يؤلفه وجود هذه المجالس العرفية في البلاد، كما استنكرت الصحيفة صدور عفو عام عن القائمين بالإدارة العرفية والقائمين على تنفيذ هذه الأحكام، بعد انتهاء مهمتهم وهذا انحراف دستوري يخالف القانون الأساسي في العراق.
وإستمرت الصحف البغدادية بالمطالبة بالحريات العامة التي كفلها الدستور، فكتبت صحيفة “الوطن” مقالاً ركزت فيه على مطالب الشعب ومنها ان الشعب يريد حكومة وطنية ديمقراطية تشفي جراحه وتضع حداً لما يعانيه من نقص في الحياة الحزبية ومصادرة حرية الرأي والإجتماع، والخروج عن إحكام الدستور، ونقص السيادة الوطنية، وإستمرار الأحكام العرفية والرقابة على الصحف وغيرها.
وذكرت صحيفة “صوت الأهالي” بأن من واجبات الحكومة التي ستشكل، أن تتألف من أناس مدركين على الأقل للوضع العالمي تمام الإدراك ولا يقاومون التيار الوطني ولا التيار الفكري الحديث، وأن يكون أول إعمالها إلغاء الإحكام العرفية وإعادة الحرية والديمقراطية، وتهيئة الشعب لممارسة حقوقه السياسية وممارسة حرياته العامة التي كفلها له الدستور.
وفي الثاني من نيسان 1946 إعلنت وزارة السويدي عن موافقتها على إجازة خمسة أحزاب سياسية العراق وهي ”حزب الأحرار، حزب الإستقلال، حزب الشعب، الحزب الوطني الديمقراطي، حزب الاتحاد الوطني. فنشرت صحيفة اليقظة بيان حزب الإستقلال الموجه إلى الشعب العراقي بمناسبة تأسيسه، وطالب البيان الحكومة الحاضرة ”السعي لضمان ممارسة الشعب لحقوقه الدستورية كحرية الإنتخاب والنشر والإجتماع والكلام والسعي للحيلولة دون استصدار مراسيم من شإنها تقييد هذه الحقوق”.
وكتبت صحيفة “الوطن” حول التضييق على الصحافة، وحرية الرأي فاستنكرت تعطيل صحيفة الرأي العام لمدة شهر من العشرين من حزيران سنة 1946، وأكدت على إن إجراءات وزارة العمري هي تضييق على حرية الرأي وحرية الصحافة التي كفلها الدستور العراقي، كما طالبت بإطلاق الحرية العامة ومعالجة علل البلاد معالجة أساسية وعميقة ودائمة وذلك بممارسة الحرية التي كفلها الدستور المذكور.
وكتبت الصحف البغدادية حول المظاهرات التي قام بها حزب التحرر الوطني وعصبة مكافحة الصهيونية اللذان يمثلان واجهة الحزب الشيوعي العراقي السري، إحتجاجاً على ما يجري في فلسطين، وحاولت الشرطة تفريق المتظاهرين واستعملت السلاح فقتل احد طلاب إعدادية التجارة، فأصدر حزب الإستقلال والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الشعب، بيانات حول هذا الحادث لأن له علاقة بحرية الشعب وحياة الإفراد وأدانت كل الأساليب الضارة بحريتنا وسمعتنا الوطنية وطالبت بإجراء تحقيق عن كيفية صدور أمر بإطلاق النار على المتظاهرين، على ان تكون الهيئة التحقيقية هيئة قضائية محايدة تتمتع بالاستقلالية لكي تتمكن من إظهار الحقيقة.
وفي السادس من حزيران سنة 1948 قدمت وزارة محمد الصدر إستقالتها بعد ان أجرت الإنتخابات وألف مزاحم الباجه جي الوزارة الجديدة (26/6/1948 – 6/1/1949) في السادس والعشرين من حزيران وفي عهدها أستأنف القتال في فلسطين بعد الهدنة الأولى التي بدأت في الحادي عشر من حزيران ثم عقدت الهدنة الثانية في الثامن عشر من تموز 1948.
لقد عرف العالم بصورة عامة احد النظامين فأما النظام الديمقراطي أو النظام الدكتاتوري، وكلا النظامين يستند إلى وجود تنظيم حزبي، فالحزب الواحد موجود في الدولة الدكتاتورية، وان الأحزاب المتعددة موجودة في الدول الديمقراطية، أما وجود دولة ذات نظام ديمقراطي برلماني لا تقوم فيها الأحزاب ولا يمارس الحكم فيها رجال ينتمون إلى الأحزاب فهو أمر خاص بالعراق في بعض فترات العهد الملكي. واضاف ايضاً
لقد كانت الحرية العامة في العراق الملكي رغم إنها مكفولة دستورياً إلا إنها في الحقيقة كانت مقيدة بهيمنة الوزارات التي يتداولها أشخاص معدودين مهمتهم إصدار المراسيم والأحكام العرفية المخالفة للدستور فكانت هذه الحرية تمنع والأحزاب تضطهد ويساق رؤساء الأحزاب إلى المحاكم ويلقى أعضاء هذه الأحزاب في السجون والمعتقلات، وكانت الصحف البغدادية مقيدة بقانون المطبوعات الذي كانت مهمته تعطيل الصحف او سحب امتيازاتها، كما إن حرية التظاهر كانت ممنوعة كما حدث في كركوك في وثبة الشعب في كانون الثاني سنة 1948، فالحكومات مهيمنة على السلطة التشريعية لأن النائب يقدم إلى المجلس عن طريق تدخل الحكومة ولا برغبة الشعب فكان هذا السبب الرئيس لفقدان الحريات العامة التي كفلها الدستور العراقي، وكانت هذه الوزارات تطلب رضا الملك والبريطانيين وتلبي كافة رغباتهم لأن الوزارات كانت تعلم ان من يشكلها او يزيلها ليس الشعب، فكانت انحرافاتها الدستورية مستمرةً، رغم محاولات الصحافة العراقية المنبهة للوزارات على هذه الإنحرافات الدستورية، فكانت هذه الصحف تعطل لأسباب تافهة كنشر مقال مثلاً يوضح معايب هذه الحكومة.
ونستخلص ان الحريات العامة التي كفلها الدستور كانت مقيدة ومقننة ولم يتمكن أبناء هذا الشعب من ممارستها ممارست حرياته العامة لهيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية في العراق. والقى المحاضرة الثانية الاستاذ المساعد الدكتورة
وسن حسين محيميد عبر المنصة الاكترونية وعنوان محاضرتها ( أعلام الصحافة في العهد الملكي(رزوق عيسى ١٨٨١-١٩٤٠)
ولد الأستاذ رزوق عيسى زكريا في محلة رأس القرية إحدى محلات بغداد الشرقية في ٦حزيران ١٨٨١. وينتمي إلى أسرة عراقية نزحت من مدينة الموصل في منتصف القرن الماضي. ولما بلغ الثامنة من عمره أرسله والداه إلى مدرسة الاتفاق الشرقي حيث تلقى مبادئ اللغتين العربية والإنكليزية والحساب، ثم تدرج فولج قسمها العالي واستمر يدرس اللغتين المذكورتين بجد واجتهاد، حتى نال رضا مديرها الخوري ميخائيل شعيا الكلداني وأساتذتها وهم الشماس فرنسيس جبران والشماس داود صليوا ، صاحب جريدة (صدى بابل) والشماس حنا حبش. في سنة ١٨٩٦ انتقل إلى المدرسة الإنكليزية الثانوية، ليتلقى العلوم العصرية، ويتقن آداب العربية والإنكليزية مدة أربع سنوات. وفي عام ١٩٠٠ نال الشهادة المدرسية، وفي عام ١٩٠١ دعاه مدير المدرسة الإنكليزية المستر بارفت في البصرة ليُعلم اللغتين العربية والإنكليزية فلبى الدعوة وانخرط في سلك التعليم، واستمر فيها معلماً إلى شهر تشرين الثاني من سنة ١٩١٤ في ١٠ آذار ١٩١٥ القت السلطات التركية القبض عليه، وزج في السجن، واتهم بالخيانة العظمى وبعد مرافعة دامت عدة أسابيع حكم عليه بالسجن ستة أشهر بحجة أنه كان في نيته أن يقوم بنشر دعاية تضر بسلامة السلطة العثمانية، إلا أن ذلك لم يثبت عليه، فأطلق سراحه صباح يوم الخميس ١٤ أيلول من تلك السنة.
وفي ٢٧ آذار عام ١٩١٧ بعد أن احتل الإنكليز مدينة بغداد عين مترجماً ومعاوناً للحاكم السياسي الكابتين(فاول)في منطقتي العزيزية والنعمانية حتى الكوت، وقام بوظيفته خير قيام. وقد استقال من منصبه، وعلى إثر ذلك استدعاه مديري المدارس فاستدعاه القس اوغسطين مروجي ليدرس الإنكليز في مدرسة السريان، والقس أنطوان زبوني ليعلم اللغة في مدرسة الكلدان وغيرهم.وقد انتدبته مجلة الجمعية الملكية الشرقية، التي تصدر في لندن. ليكون عضواً فيها ويمدها بارائه ومقالاته
أما خصاله واهتماماته فقد عرف عنه رغبته في العزلة والابتعاد عن الضوضاء، مولعاً بمجالسة كتبه فهي أنيسه. وخاصة كتب التاريخ ولاسيما الشرقي والعراقي، ومغرماً بتلاوة ومطالعة أسفار سير وتراجم الرجال والنساء والمخترعين والمكتشفين العظام، فضلاً عن براعته بالعربية والإنكليزية، والوقوف على آدابها كما كان له إلمام بالفرنسية والاسبرنتية، أي لغة العالم الجديدة التي وضعها لويز لازار زمنهوف الطبيب الروسي. انخرط في زمرة الكتاب والصحافيين بعد إعلان الدستور.
كان للأب انستاس ماري الكرملي صاحب مجلة لغة العرب فضل لاينكر على رزوق عيسى بتثقيفه وتدريبه على الإنشاء. واقراراً بفضله أهداه باكورة تآليفه وهو معجم مفردات عوام العراق. أما عن أثره في الصحافة فإن أول ما ظهر من قلمه مجلة العلوم التي أنشأها في أواخر عام ١٩١٠ وهي مجلة علمية أدبية صحية تاريخية.ويقول أنه لم يكن في خلده أنه سيكون يوماً ما صحافياً أو منشئاً بيد أن إعلان الدستور في السلطة العثمانية ١٩٠٨ أثار عزيمته، وفك عقال نشاطه، وولد فكرة الحرية في تلافيف دماغه، وبالتالي جعله أن يقبض على القلم ويجلس على أريكة الكتابة والإنشاء
في منتصف عام ١٩١٠ أنشاء صحيفة لتنوير أذهان السواد الأعظم من وطنه، وعليه نال إمتياز مجلة باسم العلوم وألف شركة لها وكان في نيته أن يجعل حجمها كبيراً، ومادتها غزيرة تتناول الأبحاث العلمية والتاريخية والأدبية والصناعية، غير أن الشركة التي أنشأها لهذه الغاية انفصمت عروة إتفاقها قبل نشر المجلة. فاضطر إلى نشرها بحجم صغير، فطبع العدد الأول منها في تشرين الأول من تلك السنة. وقد قرظ مجلته، مع صغر حجمها طائفة من الصحافيين والكتاب لما توسموه من خلال سطورها من حثٍ على التمسك بأهداب الحقيقة وبعد أن ظهر من المجلة جزءان وكان الجزء الثالث قيد الطبع، أوقفت الحكومة نشرها لأن صاحبها كتب مقالة في صدرها بعنوان نهضة البلاد العربية ومطالبتها باللامركزية.
فقامت قيامة الاتحاديين من ترك وعرب واتهموه بالمروق من الجامعة العثمانية، وحاكموه بأنه أحد الأفراد الذين يحاولون إثارة الرأي العام ضد السلطة التركية. وقد برئت ساحته من التهمة التي نسبت إليه
في عام ١٩٣٢ نشر مجلة أخرى بإسم المؤرخ واستمرت تنشر في عالم المطبوعات مدة سنة، ثم توارت عن الظهور لأسباب مالية، وقد أعيد نشرها عام ١٩٣٨ واستمرت لمدة سنتين. وهي مجلة شهرية علمية أدبية تاريخية إجتماعية اقتصادية
ترك رزوق عيسى مؤلفات عدة بعضها لم يطبع، والبعض الآخر نشر في مختلف المجلات والصحف العراقية، وأهمها معجم الألفاظ العامية العراقية وفي ذبله معجم المصطلحات الحديثة، وتأريخ العراق قديماً وحديثاً، وتأريخ التمدن العراقي وغيرها
أما الكتب التي طبعها فهي جغرافية العراق صدر عام ١٩٢٢ وكتاب مرشد الطلاب إلى قواعد لغة الأعراب ج١ في الصرف عام ١٩٢٢. فضلا عن مقالاته السياسية ، كما نشر على صفحات الجرائد والمجلات منها باسمه الصريح ومنها باسم مستعار. ومن المجلات والجرائد التي نشر فيها لغة العرب، والنور، ودار السلام، وصدى بابل، والعرب، والمصباح، ومرآة العراق، والزنبقة، ونشرة الأحد، والحرية، والنجم، والهلال، والمقتطف، والاعتدال، والرسالة وغيرها ..
No comment