بالرغم من الظروف التي تواجه بلدنا العزيز من تفشي فيروس كورونا ومن اجل اكمال المسيرة العلمية وحسب توجيهات رئاسة جامعة بغداد في القاء المحاضرات الكترونياً نظم قسم المخطوطات في مركز احياء التراث العلمي العربي / جامعة بغداد يوم الثلاثاء الموافق 20/4/2021 سمنار بعنوان (مرقد النبي ناحوم الألقوشي ) القى المحاضرة أ.م.د. وسن حسين محيميد في قسم المخطوطات بمركزنا وفيه تناولت التعريف بشخصية النبي ناحوم ومكانته لدى اليهود ومعتقداتهم فيه، ومرقده وماورد من أخبار عنه إذ تشير إلى أن ناحوم أو نحوم ومعنى اسمه (المُعزّي) أو المشدد هو سابع الأنبياء اليهود الاثني عشر الصغار، عاش في القرن السابع قبل الميلاد، ويعتقد أن كان ممن تم سبيهم إلى آشور، ويذهب بعضهم إلى أنه جيء بناحوم طفلاً من أسرى اليهود إلى بابل. سِفرهُ في العهد القديم عبارة عن قصيدة فيه تنبأ بسقوط نينوى عاصمة الآشوريين أعداء شعبه ويبتهج النبي بوقوع دينونة الله على أمة قاسية ومتكبرة. وقد سقطت نينوى بأيدي البابليين والميديين في سنة 612ق.م، ويرجح أن السفر كُتب قُبيل ذلك. يُنسب النبي ناحوم إلى مدينة القوش الواقعة على مسافة ثلاثون ميلاً شمالي مدينة الموصل وهي احدى نواحيها التابعة لقضاء تلكيف حالياً والشيخان سابقاً. يذكر أن هنالك موضعان باسم القوش أحدهما في فلسطين والثاني في العراق، وانتساب النبي ناحوم إلى هاتين البلدتين موضوع بحث بين علماء الكتاب المقدس والمعنيين بالجغرافية التاريخية. فقد ذهب القديس هيرونيموس إلى أن القوش وطن النبي ناحوم كانت قرية في الجليل وشاهد قبرهُ في قرية بيت جبرا قرب عمواس. ومن يقرأ سفر ناحوم يرى أنه كان على علمٍ بأحوال منطقة نينوى إذ تنبأ بخرابها قبل حصوله بزمن طويل، إذا ما علمنا أن نينوى سقطت سنة 612ق.م، وقد كتب ذلك في سفره الذي دونه في أيام الملك حزقيا(727- 697ق.م)، لذا فمن المرجح أن القوش التي يُنسب إليها النبي ناحوم كانت قائمة وعامرة منذ القرن الثامن قبل الميلاد، فضلاً عن أن نبؤته تنطبق على إنسان عاش بالقرب من نينوى وعرف كل معالمها والطبيعة المحيطة بها إذ كتب يقول:” نينوى كبركةٍ جفَ ماؤها”.علماً أن جغرافي العرب لم يذكروا القوش في مؤلفاتهم فيظهر أنها كانت خاملة الذكر في القرون الوسطى. ولم يحدد الرحالة اليهود قبر النبي ناحوم في القوش ومنهم بنيامين التطيلي الذي اكتفى بالقول أن هنالك كنيس في الموصل باسم ناحوم الألقوشي ولكنه لا يذكر مكان دفنه ليعود في مكان أخر ويقول إن قبرهُ في عين شفاته. وحسب تقاليد يهود العراق ومسيحيها ومسلميها فإن قبر النبي ناحوم في القوش آشور أي العراق، وعلى اسم هذه المدينة أطلق عليه ناحوم الألقوشي، وإليه يحج اليهود في كل سنة.
ويذكر أن سبب انعدام النصوص القديمة عن مرقد النبي ناحوم وذلك لما نالهُ من خراب في أوقاتٍ مختلفة عند تدمير القوش وكنائسها وأديرتها، كما حصل في زمن تيمورلنك في القرن الرابع عشر للميلاد وبعدهُ المماليك والإمارات والباشوات، كما لا يعرف عدد المرات التي جُددت فيها عمارة قبر النبي ناحوم.ومما جاء في وصف المرقد أن عليه كتابة عبرية تنص على أن بناءهُ الحالي جددهُ سنة 1796م ساسون صالح داود يعقوب وهو جد آل ساسون وأشرف على البناء الحاخام عبدالله يوسف وموشي كباي وداود برزاني هم من أهالي الموصل.والمرقد له قدسيته لدى اليهود والمسيحيين والمسلمين وهو عبارة عن معبد للصلاة بقبةٍ فسيحة داخلها ناموس النبي ناحوم وإلى شمالها مباشرة مجموعة غُرف تمتد غرباً مع رواق. أمامها ساحة كبيرة ذات سياج عالٍ من الجهات جميعها. كانت هذه الغُرف قبل هجرة اليهود إلى فلسطين تستخدم من قبل الزوار لهذا المرقد ولقبر أخته سارة الذي يوجد قرب الباب الجنوبي الغربي الصغير.ومما ورد في وصفه أن تابوت النبي ناحوم مصنوع من خشب مغطى بستار من الحرير، والآثاري لايارد يؤكد أن قبر النبي ناحوم في القوش العراق إذ يصفه بقوله:” القبر عبارة عن صندوق أو ناووس من الجص مغطى بقماش أخضر وقائم عند النهاية العُليا من غرفة واسعة. ونجد على جدران هذه الغرفة قصاصات من الورق كُتبت عليها باللغة العبرية: مواعظ دينية وتواريخ زيارات العائلات اليهودية. إن البيت الذي يحتوي على القبر حديث، وليس هناك من كتابات أو قطع آثرية تحدث عن هذا المكان”. وفوق القبر يوجد رق ملفوف اسطوانياً ومخطوط عليه سفر النبي ناحوم باللغة العبرية وعلى ظهر الملف يعثر الإنسان على كلمة “الألقوشي”. فالمزار لا يختلف عما كان عليه منذ مئة سنة تقريباً، وهو ذات الوصف الذي نقلهُ لنا يوسف رزق الله غنيمة.كما يوصف القبر بأنهُ مغطى بقماش ثمين منسوج بخيوط ذهب ومزين بقطع ذهبية. ومما تقدم يتبين أن المرقد كبقية المراقد فقد طرأت عليه تطورات من حيث الاهتمام بهيأة القبر الخارجية من محبي النبي ناحوم. ففي سنة 1883قام مسيحي القوش بسرقة عظام النبي ناحوم ليلاً ونقلوها مع عظام أخته سارة إلى كنيسة مار ميخا، فحدث نزاع بين يهود القوش ومسيحيها إذ اشتكى اليهود لاستعادتها وهذا لم يحدث. وإلى الأن في كنيسة مار ميخا كوة صغيرة تحمل النص:” هنا ذخائر النبي ناحوم” ويعتقد أن الكتابة تعود إلى سنة 1876. ومما تقدم يتبين أن رواية سرقة عظام النبي ناحوم إن صحت فربما كانت سنة 1876 كما مؤرخ على النص المذكور وإلا كيف تُسرق العظام سنة 1883 ويؤرخ لها سنة 1876.وتعود أقدم اشارة إلى وجود اليهود في القوش إلى القرن (4ه/ 10م)، لذلك بات من الصعب البت إن كانت كل القصص الواردة هي وليدة تفاسير المفسرين أو تقاليد أكيدة. يمارس اليهود احتفالهم قبل عيد العنصرة (الأسابيع) عند قبر النبي ناحوم في القوش، إذ يجتمعون من الموصل وأربيل وكركوك ومن أماكن أبعد، يحمل الزوار كتبهم المخطوطة للشريعة ويضعونها في المحل المقدس من المعبد. ثم تدخل النساء إلى غرفة النبي وبعد ذلك تبدأ المراسيم بقراءة من سفر ناحوم بصوتٍ جهوري في مخطوط قديم يكون موضوعاً على الضريح، وعندما تنتهي القراءة يقوم الزوار بطواف حول الضريح سبع مرات وهم يرتلون ترتيلة دينية مخصصة لهذا النبي يقولون فيها:” أفرحوا في فرحة النبي ناحوم”. ويسير هؤلاء الزوار بالترتيب الهجائي لأسمائهم المختلفة، ثم تأتي النساء اللواتي لا يفهمن العبرية فيتلون صلوات مترجمة من العبرية إلى العربية أو إلى الكردية ثم يرقصون حول القبر وهن يرتلن، وتتم هذه المراسيم باجتهاد وتدوم نحو ساعة.
وعند زيارة بنيامين الثاني لبلدة القوش يشير أن لا وجود لليهود فيها وعند الاحتفال بالنبي ناحوم يقوم سكان البلدة من المسيحيين بتأجير غرف أو دور للمحتفلين بعد تفريغها من محتوياتها، وقد يستخدم أصحاب الدور مصطباتها، ساحاتها، أو سطوحها.أما المرقد اليوم وقد مضى عليه 2700 سنة فهو متهالك البناء لذلك قامت شركة جاما بإشراف رئيسها مارتن كلاين برفع الأنقاض والقيام بإعماره وترميمه بغية الحفاظ على هذا الصرح الحضاري ليبقى شاخصاً على مر الأجيال.
No comment