نشرت صحيفة الصباح يوم الاثنين 2021/6/14م.‏ مقالاً للاستاذ الدكتور علي حداد حسين التدريسي في مركز احياء التراث العلمي العربي في جامعة بغداد بعنوان حين تباصرنا (حقائق الحياة الصغيرة) بمكنوناتها‏ في اقتفاء كتابي يربك طمأنينة التلقي ـ بما يؤطر به نفسه من صياغة مغايرة ، واكتناز ذهني ، وكثافة استدراج لوقائع بثه ـ يأخذنا الدكتور (لؤي حمزة عباس) في عمله (الروائي) الجديد (حقائق ‏الحياة الصغيرة) إلى حيث بماحك معتادنا القرائي ـ ومنذ المسمى ـ بين أن يكون هذا العمل رواية خااصة لوجها أو أن نستدعي معها مسميات التشكل السردي الأخرى ، ليوقفنا عند الاستعادات ‏‏(الثيمية) التي تبدو انبثاقات ـ ذهنية وشعورية ـ يتهامى بوحها متشبثاً بما قبله وما بعده في استدراكات مستعاداة من ذاكرة غضة أو من انهماك شعوري باللحظة المعيشة لذات شابة وجدت نفسها في ‏وقائع وتداعيات مهيضة تبدو أكبر من عمرها ، ومن قدراتها على التمثل والاستيعاب ، لتذهب منزوية بها بعيداً في عوالم من التكيّف تجترحها لنفسها ، وهي المزودة بحساسية عالية على الرصد ‏والتخيل واستدعاء ما تشاء من ماضيها (الصغير) أو من محيطها الإنساني الذي تتدانى منه خطوة لتتباعد عنه أكثر من خطوتين ، مغيّبة إياه في تكيفات من الخيال الذي يتلبس شيئاً من (الفنطازيا) ‏الساخرة تلك التي تذهب إليها مطمئنة ، كي تجعل منها متنفس بوح تجترحه هناك.‏
‏ توالت (الرواية) في اثنين وثمانين مشهداً سردياً ، تخيّر لها مؤلفها تبويباً خاصاً يأخذ شكل مقاطع (مرقّمة) تتداخل في أزمنة وقائعها ، ويوطّنها البعد المكاني ، حيث مدينة (البصرة) وبعض ‏مسميات مناطقها، وهي تنوء بثقل الحرب وقسوتها على إنسانها، وحيث (الوقائع) التي تتراص(صغيرة) في مكنونها ، (كبيرة) فيما تشرع عليه أفق التلقي ومدركات التأويل التي استنطقها الروائي ‏عبر سارده (الفتى) الذي شرّع حواسه للإخبار عن أكبر كم منها ـ مسبوكة في مسار تمحورها حول وجوده الذاتي وعواطفه واعتمالاته الشعورية التي دأب أن يذهب بها إلى عالم حيواني تخيّره حيث ‏صاحبه (الجرذ) الذي يلجأ إليه يبثه هواجسه وما يقع له عبر رسائل وتخطيطات يرسلها ، مقتنعاً أن الآخر يدرك مقاصدها.‏
‏ تساير في الرواية خطان متداخلان : واقعي ومتخيل ، كان الفتى فيهما يغادر الأول باحتداماته المربكة لوجوده نحو الآخر في مايشبه أحلام اليقظة ، مهيئة له مجالاً للهروب من الواقع وضغوطه ‏، كالذي يخبر به هذا المقطع : ” في إحدى أمسيات القصف وكان في الغرفة لم يأو إلى فراشه بعد، نثر كتب دليل السائح على الأرض . توزعت المدن هنا وهناك مثل جزر متباعدة : (نيس) و(مونت ‏كارلو) ومراكش) و(أثينا) ، وكان ينتظر معاودة القصف ليقفز مع سقوط القذائف من (كييف) إلى (اسطنبول) في قفزة رشيقة واحدة ، ومن (مراكش) إلى (روما) ومن (فرانكفورت) إلى (امستردام) . ‏لم يكن وحيداً في قفزته كان الجرذ معه يقفز قفزات عالية ، مقطوع الذيل ، يطير من مدينة إلى أخرى” (الرواية ، ص46) .‏
ولكن ذلك الملاذ التخيلي لا يدوم فيؤه ، ففي الحياة الواقعية وثيماتها المحدقة التي تحيط بالفتى ـ في بيته ومدرسته وسلوكيات الصبية ممن هم بعمره ، وأخيراً صدمته بـ (بلقيس) التي أحب ـ ما يمسك ‏بتلابيب وجوده ، لينتهي توزعه بين عالميه إلى التمرد فيبادرـ في لحظة غيظ حادة ـ إلى قتل صاحبه الجرذ ، لا ليهدم ما اصطنعه لنفسه من طمأنينة مدعاة حسب بل لينتزع وجوده من تردده وضعفه ‏وخيباته .‏
هكذا … وبين حقائق الواقع (الصغيرة / الكبيرة) ونقيضها المتخيل الذي يريد أن يكسر سطوتها قدّم الدكتور (لؤي حمزه عياس) ـ القاص والروائي والأكاديمي الفاتن الحضور ـ صنيعاً سردياً لايريد أن ‏يبقى قارءه مطمئناً على اعتياد تلقيه بل أن يخرج بذهن مشدود ، بعد أن يستعيد كثيراً مما حصل لنا في أزمنة القحط الإنساني الذي أخذتنا فيها الحروب وقسوة الواقع السياسي وسكونية الفعل ‏الاجتماعي وتشتته.

RashcAuthor posts

Avatar for rashc

مركز احياء التراث العلمي العربي مركز يعنى بالتراث العربي

No comment

اترك تعليقاً