مقال للدكتورة زينب عبد الحسن الزهيري
ملخص كتاب رحلة الحاج الروسي دانيال الراهب في الأراضي المقدسة
(1106-1107م)
بقلم الدكتورة : زينب عبد الحسن الزهيري
الترجمة الفرنسية: الكولونيل اليرسي-دبليو- ويلسون
نقلها إلى العربية: د. سعيد عبد الله البيشاوي ، داود إسماعيل أبو هدبة
التقديم: عفيف عبد الرحمن ط1، عّمان، 1992.
يتألف الكتاب من 191 صفحة وستة ملاحق وقائمة بالمصادر والمراجع، وثلاث مقدمات للرحلة: الأولى تقديم بقلم الأستاذ عفيف عبد الرحمن، والثانية مقدمة المؤلف العربية بقلمي: سعيد عبد الله البيشاوي ، وداود إسماعيل، أما المقدمة الثالثة فهي مقدمة للترجمة الإنجليزية للنسخة.
مقدمه المؤلف العربية
يتحدث المؤلف في البداية عن موضوع أدب الرحلات بأعتباره أحد العلوم المساعدة لدراسة التاريخ والجغرافية والاقتصاد وكثيراً من العلوم الأخرى، وذلك لما يلقيه من أضواء على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمختلف المناطق التي يقوم الرحالة بزيارتها.
ويذكر أن بلاد الشام شهدت زيارة العديد من الرحالة والحجاج الغربيين الذين تدفقوا على الأراضي المقدسة في العصر الصليبي ، وكتبوا عن اقتصادها وحياة سكانها السياسية والاجتماعية، ولعل من اشهر الرحالة والحجاج الذين زاروا الأراضي المقدسة في العصر الوسيط، الرحالة الشهيد انطوينوس الذي وفد في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي وعلى وجه التحديد بين عامي560-570م، وأيضاً رحلة(اركولف) الذي زار المنطقة سنه 670هـ وهي تعد من الرحلات الهامة والمميزة لكونها حدثت في عهد الدولة الأموية، في عصر القوة الإسلامية المناهضة، وأيضاً رحلة الحاج الإنجليزي( ويليبالد) الذي زار فلسطين سنة 727م وكذلك رحلة الحاج( برنارد الحكيم) التي زار فيها مصر وفلسطين في عام 870م.
أما فيما يتعلق بموضوع رحلتنا وهي ( رحلة الحاج الروسي دانيال الراهب) إلى الأراضي المقدسة، فيمكن القول إنها تعد من المصادر الهامة لدراسة أحوال تلك البلاد في بداية الاستيطان الصليبي، وتعرض دانيال في رحلته لمختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين، وتكمن أهمية هذه الرحلة في أنها جاءت مع بداية مرحلة جديدة في حياة الشرق الإسلامي بوجه عام، والأراضي المقدسة بوجه خاص.ولقد أورد الحاج الروسي معلومات قيمة عن أهم المزروعات التي كانت تشتهر بها فلسطين والأردن، وخاصة زراعة الأشجار المثمرة، واهم الصناعات التي كانت سائدة في الأراضي المقدسة وقتذاك، ووصف لأهم المدن والقرى التي زارها مع التركيز على وصف الأراضي المقدسة في بيت المقدس وان اعتمد في ذلك على العهد القديم.
المأخذ الواردة حول الرحلة
1- اعتماد الحاج الروسي على كتاب العهد القديم في توثيق كثير من الأمور، وهو يجهل العهد القديم ، ومثل هذه الأخطاء تعتبر غير مشرفة بالنسبة إليه، والى مرشدة راهب دير القديس( سابا).
2- وقوعه في بعض الأخطاء الجغرافية ومنها: موقع كفرناحوم على ساحل البحر قرب الكرمل، وتعريف اللد بالرملة، وقيسارية فيليببي بقيسارية فلسطين، والسامره بنابلس، وباشان أي بيسان وغيرها كثير.
3- ذكر انه كان يتوخى الدقة والحذر والبعد عن الكذب، ولكن من يقوم الرشوة في سبيل الحصول على ما يريده ، فانه من السهل علية تلقي الرشوة وتقبلها ، والحاج الروسي قدم على سبيل الرشوة للمشرف على القبر المقدس.
وصف الرحلة
يقول:أنا الراهب الروسي دانيال غير الجدير والأقل مكانه بين الرهبان، والمضطرب بسب كثيرة المعاصي وقلة الأعمال الصالحة ، سيطرت على الأفكار ثم الحنين المتعطش لرؤية مدينة بيت المقدس وارض الميعاد.
وبفضل من الله وصلت إلى مدينة بيت المقدس الطاهرة، ورأيت الأماكن المقدسة، وقمت بزيارة بعض المناطق في الجليل ، وجميع الأماكن المقدسة حول بيت المقدس، التي عانقها سيدنا المسيح بقدميه وحيث ظهرت عليه المعجزات، وخشية من أن أكون ذلك العبد الفاسد الذي يدفن الموهبة التي منحها له مولاه، قمت بالكتابة من اجل المؤمنين ليتسنى لهم سماع وصف هذه الأماكن المقدسة وأن ينتقلوا إليها ذهنياً من أعماق أرواحهم، وهكذا يكسبون من الله نفس الثواب الذي حصل عليه من زاروا تلك الأماكن.
ويواصل الحديث:مكثت عند وصولي إلى بيت المقدس، مدة ستة عشر شهراً في محل إقامة الحجيج في دير القديس(سابا) فوجدت رجلاً ورعاً، متقدماً في السن، جعلني أشاهد جميع الأماكن المقدسة في بيت المقدس وكافة أنحاء البلاد.
التي من القسطنطينية بحراً إلى يافا، وزرت في طريقي مدينة امنوس، وفيها ضريح القديس يوحنا الذي يرتفع الغبار المقدس من ضريحه في ذكرته السنوية ويجمعة بعض المؤمنين كعلاج لجميع أنواع الأمراض، وبالقرب من هذا المكان الكهف الذي نام فيه أهل الكهف السبعة لمدة 360سنة وذلك في عهد الإمبراطور(دقيانوس) واستيقظوا في عهد الإمبراطور( ثيودوسيوس).
ومن ثم ذهبت بعد ذلك إلى جزيرة قبرص، وهي جزيرة كثيفة السكان، وتزخر بجميع أنواع المنتجات ،ويوجد بخور البلسم هنا، انه يسقط من السماء ويجمع من الشجرات، وعلى يمين الطريق القادم من يافا، هناك جبل يدعى(آرفانيم) وعلى هذا الجبل ضريح الرسول الكريم( صموئيل)، ويصف جغرافيا منطقة بيت المقدس فيذكر:أنها تقع في وديان قاحلة، وفي وسط جبال صخرية، وعند التقدم قليلاً يرى جبل الزيتون، ثم يرى اقدس المقدسات(كنيسة القيامة) ، حيث يوجد فيها الضريح القدس ثم أخيراً يرى المدينة بأكملها.
ثم يصف كنيسة القيامة فيذكر:إنها ذات شكل دائري وتحتوي على أثنى عشر عاموداً، على شكل مسلات، وست أعمدة أخرى مغطاة بالرخام وهناك ست مداخل وأروقة ست عشر عاموداً، وتحت السقف فوق الأروقة يتمثل الأنبياء الطاهرون وكأنهم أحياء ، ويعلو المذبح صورة للمسيح مصنوعة من الفسيفساء، وهناك أيضاً صورة البشارة وهي من الفسيفساء على الأعمدة على كلا جانبي مذبح الكنيسة.
أما الضريح المقدس: فانه عبارة عن كهف صغير منحوت في الصخر، وله مدخل منخفض جداً لدرجة أن الشخص يستطيع الدخول إليه بصعوبة، وذلك بان يحني ركبتيه، وارتفاع المكان قليل نسبياً، وأبعاده متساوية في الطول والاتساع، وبعد أن يتمكن الشخص من وصول الكهف من خلال المدخل الصغير يمكن أن يرى أريكة محفورة في الصخر، والتي كان قد سجى عليها جثمان السيد المسيح، وهذا المكان مغطى بقطع من الرخام، وتستقر جمجمة أول إنسان(أدم) تحت هذه الصخرة وفي وقت صلب المسيح.
وبالقرب من هذا المكان يوجد ضريح ابرهام أو (إبراهيم) ، عليه قدم إبراهيم أضحيته الله وذبح كبشاً بدل اسحق وهناك قرب برج دواد كانت بيت(أوربا) وهو قائد عسكري أراد أن يتخلص منه دواد(عليه السلام) ليتزوج زوجته وبالفعل تخلص منه في إحدى المعارك.
في حين تقع كنيسة اقدس المقدسات على بعد رميتي رمح من كنيسة القيامة، وهي مزينة من الدخل بشكل فني رائع بالفسيفساء ويعجز المرء عن وصف جمالها، وقد دمرت هذه الكنيسة ولم يبقى منها شيء من المبنى القديم لسيلمان، ماعدا المعبد الأصلي الذي بدأ النبي داود بوضعه.
ومنزل سيلمان هو قصر يمتاز بالجمال الرائع والفخامة، وفيه عالج بطرس و يوحنا الأعرج، وله بوابة تدعى( بوابة الحواريين) بنيت بقوة وذكاء من قبل النبي داود، وكان السيد المسيح قد دخل عبر هذه البوابة إلى بيت المقدس عندما جاء من بيثاني بصحبة لعازر، الذي أيقظه المسيح بين الموتى، وتقع بيثاني إلى الشرق في مواجه جبل الزيتون.
ومن بيت المقدس انطلق الراهب إلى نهر الأردن وهي تمر من فوق جبل الزيتون على الجانب الشرقي، وهي طريق خطر ومتعبة وخالية من الماء، وتتواصل هجمات قطاع الطرق في الجبال الوعرة والممرات المخفية.
ونهر الأردن هو نهر سريع، والضفة على الجهة الأخرى شديدة الانحدار ومن هذه الجهة منبسطة ، والماء مليء بالطين ولكنه ذو طعم مقبول، والمرء لا يستطيع أن يشرب كثيراً من هذا الماء المقدس،وهو لا يسبب أذى ولا يفسد المعدة، والمكان الذي عمد فيه المسيح يبعد عن نهر الأردن مسافة مرمى حجر صغير.
وقرب مكان الاستحمام هناك غابه صغيرة من الأشجار صغيرة مثل الصفصاف، وعلى طول الضفة نوعاً من أشجار أو السماء، وتكثر الحيوانات البرية مثل الدببة والنمور والأسود.
وتقع كهف القديس (يوحنا المعمدان) وكهف النبي(ياس) مع تابعه(اليسايوس).وإلى القرب من هذا المكان يقع جبل اسمه جابون، وهو جبل كبير ومرتفع وفوقه وقفت الشمس ثابتة لمدة نصف يوم ليتسنى( ليوشع بن نون) النصر على أعداءه عندما قاتل(أوج)ملك بيسان، وجميع مملكات كنعان، وعندما انتصر(اليوشع) عليهم غابت الشمس تماماً وعلى نفس هذا الجبل يوجد كهف شامخ، صام فيه السيد المسيح أربعين يوماً، وبعد ذلك عندما كان المسيح صائماً اقترب منه الشيطان راغباً في إغوائه قائلاً:(إذا كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً).
أما عن رحلته إلى البحر الميت فيذكر
تقع دير القديس سابا في وادى جوسفات أو وادي الدموع ، وهذا يرتفع من بيت المقدس ويمر بالجسمانية ويقطع الدير وينتهي إلى بحر سدوم(البحر الميت).
وبحر سدوم بحر ميت لا يحتوي كائنات حية ولا تعيش بها اسماك أو محار أو غير ذلك، وإذا جلب نهر الأردن أي اسماك إلى هذه البحيرة، فإنها لا تستطيع العيش هناك ساعة واحدة، بل تموت في الحال وترتفع رفعة مائلة للحمره من قاع البحر وتلقي بكميات على الشاطئ وينفث البحر أبخرة نتنة كرائحة الكبريت المحترق،أن عذاب جهنم يقع تحت هذا البحر.
أم جبل صهيون فهو جبل كبير مرتفع وهو يقع مواجهاً إلى الجنوب، ويتم بالانحدار( الخفيف) من جهة بيت المقدس وبنيت عليه أساساً مدينة بيت المقدس القديمة والتي دمرها نبوخذ نصر ملك بابل في عهد الملك ايرميا، وفي الوقت الحاضر يقع جبل صهيون خارج أسوار المدينة إلى الجنوب من بيت المقدس وعلى الجبل كان منزل يوحنا البشير.
وعلى مسافة ليست بعيدة، وعلى المنحدر الشرقي لجبل، هناك كهف عميق ينزل إليه المرء عن طريق 320 درجة، وفيه بكى بطرس بمرارة بعد أن تبرأ من المسيح.
والى الجنوب عند اسفل الجبل تقع بركة سايلو( سلوان) حيث فتح المسيح عيني الرجل الأعمى، ويقع كذلك بستان الخراف،وكان ثمن شراءه دم المسيح (عليه السلام) ويدفن المسافرون الغرباء في هذا المكان المقدس مجاناً، ولا يسمح بآخذ أي شئ منه لان ثمن شراءه كان دم المسيح.
وكذلك زار الراهب دانيال الروسي بيت لحم، والخليل، حيث لم يبني الصليبيون بعد كنيستهم، وبعد عودته من الخليل إلى بيت المقدس حصل على أذن من الملك( بلدوين) بان يرافق القوات التي كانت على وشك الزحف على دمشق تحت قيادة الملك نفسه وكان الطريق يمر بالبيرة، اللبن، نابلس ثم إلى بيسان، ومن بيسان زحف الجيش إلى الجسين قرب منابع نهر الأردن، وكما يذكر (دانيال) كان هناك جدولين هما جور، دان، وكانا يتدفقان من بحيرة طبرية.
ويبدوا أن الجسور كانت قريبة إلى نقطة حيث يبتعد النهر عن البحيرة والتي بالإمكان رؤية أثارهما، وتعرف اليوم بحسر السد.
وأمضى دانيال في طبرية عشرة أيام زار فيها الأماكن المقدسة على حدود بحر الجليل، وانطلق من طبرية إلى طابور، إذ سمع أساطير تتعلق بكهف ملكي صادق، والناصرة حيث أسس اللاتي أنفسهم بشكل ثابت ، ثم زار الجليل وعكا، واستقر فيها أربعة أيام.
ارتحل بعدها جنوباً إلى حيفا، وقيسارية نابلس، ثم إلى بيت آيل، بيت المقدس، وبعد مشاهدته لشعائر نزول(النور المقدس) حيث كنيسة القيامة في عيد الفصح يوم السبت عام 1107م ،انطلق الحاج الروسي دانيال في رحلة العودة إلى وطنه وسافر عبر دير الصليب وعين كارم موطن زكريا ومكان ميلاد يوحنا المعمدان، ثم إلى عمواس، والى يافا ومن بعد ذلك إلى ارسوف وقيساريه وحيفا، ثم إلي صور وصيدا، ثم إلى بيروت، ومن غير المؤكد انطلاقة في بيروت، فالسويدية، فميناء إنطاكية.
ولقد تعرض للسلب من قبل قراصنة البحر، فانطلق مُبتعداً عن ساحل ليسيا قرب بترا، وفي النهاية وصل القسطنطينية نقطة انطلاقه الأولى في رحلته هذه.