وقائع الندوة السنوية مركز احياء التراث العلمي للندوه ((الشخصية العراقية وافاق حضورها في التراث والمعاصرة )) وتحت شعار ( البحث العلمي وسيله لحماية المجتمع والشخصيات من الضياع والاندثار )) في 15/ 5/ 2013، باشراف الدكتور خليل حسن الزركاني .


   

   اسماء اللجنة التحضرية :

 

1-  أ.م .د. الاء نافع جاسم ( مقرر الندوة). 2-     أ.م.د. احلام محسن حسين . 3-     أ. م. د. كمال رشيد العكيلي .

الباحثون المشاركون في الندوة :

 

 1-( الشخصية العراقية بين التراث والمعاصرة) أ.د . خليل حسن حسن الزركاني، مركز احياء التراث العلمي العربي / جامعة بغداد .

2 – ( البناء البيروقراطي والشخصية دراسة ميدانية للمواسم الاقتصادية) . أ.م.د. فريدة جاسم داره ، كلية الاداب / جامعة بغداد .

 3-( الشخصية العراقية في سياق تكامل الاسرة الحضرية) أ.م.د احلام محسن حسين، مركز احياء التراث العلمي العربي / جامعة بغداد. 
 4– (عالمة الفرائض سستيته المحاملي) أ.م.د. وئام عدنان عباس، كلية التربية للبنات / جامعة بغداد.

5 – الشاعر المعروف عبد الغني الرصافي وتوثيقه ( الحياة الاجتماعية في مدينة بغداد في صغره ) أ.م.د. كمال رشيد العكيلي، مركز احياء التراث العلمي العربي / جامعة بغداد.

6-( الشخصية العراقية ومتغيرات العصر / دراسة تحليلية) م.د. زينب الزهيري مركز احياء التراث  العلمي العربي ، و حارث علي العبيدي ، جامعة الموصل / كلية الاداب

 

 

 

برنامج الندوة الأولى للشخصية العراقية وأفاق حضورها بين التراث  

                              والمعاصرة

                      15/ 5/ 2013

ـ الإفتتاح  : 10 صباحاً  في قاعة مركز إحياء التراث/ جامعة بغداد

       – كلمة السيد رئيس المركز:أ.د.خليل الزركاني        

                            10.15    الجــلســة

                   رئيس الجلسة : أ.م.د.كمال رشيد العكيلي

1-    الشخصية العراقية بين التراث والمعاصرة

أ.د.خليل حسن الزركاني/رئيس مركز إحياء التراث العلمي العربي

2-   البناء البيروقراطي والشخصية دراسة ميدانية للمؤسسة الأقتصادية

     أ.م.د.فريدة جاسم داره /جامعة بغداد /كلية الأداب/قسم علم الأجتماع

   3- الشخصية العراقية في سياق تكامل الأسرة الحضرية

      أ.م.د.أحلام محسن حسين /جامعة بغداد /مركز إحياء التراث العلمي العربي

   4- عالمة الفرائض ستيتة المحاملي

      أ.م.د.وئام عدنان عباس /جامعة بغداد/ كلية التربية بنات

   5 – الشاعر معروف عبدالغني الرصافي وتوثيق (الحياة الأجتماعية في مدينة بغداد  في شعره) /أ.م.د. كمال رشيد العكيلي /جامعة بغداد/ مركز إحياء التراث العلمي العربي.

6-الشخصية العراقية ومتغيرات العصر دراسة تحليلية                     

 م.د.زينب الزهيري/جامعة بغداد/ مركز إحياء التراث العلمي العربي و  م.حارث علي العبيدي/ جامعة الموصل/ كلية الأداب/ قسم علم الإجتماع/ جامعة الموصل . 

كلمة السيد رئيس المركز

الشخصية العراقية بين التراث والمعاصرة

الأستاذ الدكتور خليل حسن الزركاني

رئيس مركز إحياء التراث

   حازت الشخصية العراقية والبغدادية منها على وجه الخصوص على اهتمام المؤرخين والرحالة الذين كانت آراؤهم قد بنيت على أساس المعايشة والتفاعل مع المجتمع البغدادي سواء من المؤرخين الذين ولدوا في بغداد وعاشوا ردحاً من الزمن فيها كاليعقوبي والمسعودي، أو من الرحالة والشعراء والعلماء وغيرهم من الذين جابوا البلاد الإسلامية وتوقفوا في بغداد فكان لهم بالشخصية البغدادية رأي وموقف وهؤلاء المؤرخين والرحالة وكذلك الشعراء وغيرهم كثر، وجلهم أشاد بالشخصية البغدادية التي أثرت عليها ايجابياً البيئة البغدادية التي حفلت بالموقع الريادي على المستوى السياسي حيث كانت بيئة نشطة منفتحة، تنعم بالأجواء العلمية والأدبية وملاذاً للوافدين من بقية الأقاليم كون بغداد ظلت لقرون طويلة عاصمة للخلافة العباسية سواء في عصورها الذهبية أو تلك التي شهدت ضعفاً ملحوظاً.

واليعقوبي المؤرخ والرحالة المولود في بغداد على أكثر الروايات كان أحد الذين تحدثوا عن الشخصية البغدادية وشخصوا بعضاً من ملامحها بعين المؤرخ والرحالة ورجل العلم صاحب الخبرة والتجربة.

                           أ.م.د. فريدة جاسم داره

                         بسم الله الرحمن الرحيم

                          البناء البيروقراطي والشخصية /   دراسة ميدانية للمؤسسة الاقتصادية 

 

تُعد البيروقراطية من التنظيمات القديمة التي عرفها التاريخ الإنساني ، وقد لازمت الحضارات كافة. وبرزت في كل منها بوصفها ضرورة حتمية لتحقيق وإنعاش وديمومة ما وصلت إليه تلك الحضارات المختلفة من علم ومعرفة. وقد عاشت البيروقراطية عبر السنين بفعل بنيتها التنظيمية وأنظمتها وقواعدها الدقيقة ، فضلاً عن وظائفها المتعددة للبناءات الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية، لكنها على الرغم من ذلك لم تحصل في اغلب الأحيان على نصيبها العادل من الاهتمام من جانب البحوث الاجتماعية الوصفية ذات العلاقات الوظيفية ، إذ أهتم علم الاجتماع بمنظمات الأعمال الخاصة أكثر من اهتمامه بالإدارة العامة . كما ركز علم الاجتماع السياسي على جانب المدخلات في العملية السياسية ، أما ماهية البنية البيروقراطية ووظائفها وانعكاساتها الإيجابية والسلبية معاً في شخصيات الأعضاء العاملين فيها ، فلم تجتذب اهتمام الدراسات الاجتماعية إلا في وقت متأخر ، وعلى يد علماء اجتماع التنظيم ، عندما لوحظ وعلى نطاق واسع إن نجاح أو فشل السياسات الإدارية للمؤسسات الرسمية يتوقف غالباً على أنماط السلوك التنظيمي للجهاز البيروقراطي المسؤول عن تنفيذ هذه السياسات ، ويتوقف على طبيعة العلاقة الوظيفية ما بين الخصائص البنائية للبيروقراطية وشخصيات الأعضاء العاملين فيها أيضاً. وعليه يمكن القول إن البيروقراطية تعد ضرورة من الضرورات الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها ، لان أداء أعمال أي منظمة حكومية أو غير حكومية لا يمكن أن تتم بإصدار القوانين فحسب ، بل من الضروري أن تستخدم أعداد كبيرة من الموظفين ليقوموا بتنفيذ سياستها ، وعليه كانت هذه الشريحة محور اهتمام البحث الحالي.

      أما الشخصية التي تُعد المتغير الثاني لهذا البحث فتوصف بكونها تنظيم دينامي يتضمن

مواقف واتجاهات وقيم وسمات الفرد التي يكتسبها خلال تفاعله مع القوى والعوامل المتعددة في بيئته ، إذ يرسم بمرور الزمن معالم شخصية الفرد الاجتماعية ويحددها. ولأهمية الشخصية ودورها الفاعل في ديمومة واستمرار أي بناء اجتماعي ، أصبحت مصدراً رئيساً للفكر التنظيمي الحديث وجوهراً لموضوع البحث الحالي.

      وعليه يمكن القول إن هذا البحث ينطلق من تصور ان البيروقراطية العامة بخصائصها البنائية وقواها التنظيمية يمكن أن تؤثر في شخصيات أعضاء الجهاز البيروقراطي ، وتنمطهم تدريجياً بنمط معين من خلال استيعابهم واستدماجهم للقواعد والأنظمة والضوابط الرسمية في أثناء عملية التنشئة الوظيفية ، فضلاً عن تأثير التفاعلات التي تحدث فيما بين هؤلاء الأعضاء بوصفهم رؤساء ومرؤوسين وزملاء في أنماط شخصياتهم، ليؤدي ذلك كله دوراً فاعلاً في اكتساب وتعديل سمات معينة أو تغيير سمات أخرى تتلاءم وتنسجم مع طبيعة الخيارات المهنية التي لها في الوقت نفسه تأثير في مستويات الفاعلية الإدارية والكفاية الإنتاجية لمؤسساتهم بوصفها أهدافاً نهائية يجب أن تتحقق بكفاءة.

      بناءً على ما تقدم تبرز أهمية البحث  وقيمته العلمية بوصفه سيسهم في تعميق فهمنا عن أنماط شخصيات البيروقراطيين وقيمهم واتجاهاتهم وأنماط سلوكهم التنظيمي ، ودرجة وعيهم المهني بشأن أهمية ما يقومون به من وظائف وأدوار تسهم في تطوير مؤسساتهم من جهة ، ورقي وتقدم مجتمعهم من جهة أخرى.

      ونأمل أن تكون نتائج هذا البحث من النتائج الجديرة بالقبول والاهتمام من لدن السادة المسؤولين وأصحاب السلطة والقرار لاتخاذ التوجيهات والقرارات المناسبة بشأنها بغية تحقيق التنمية الإدارية المنشودة ، ورفع أو تحسين مستوى الأداء الوظيفي للجهاز الحكومي كماً ونوعاً.

        الشخصية العراقية في سياق تكامل الأسرة الحضرية

   الباحثة:أ.م.د. احلام محسن      
  جامعة بغداد /مركز احياء التراث العلمي العربي

   

الفرد يكتسب حصيلته من المعرفة ليس عن طريق المشاهدة المباشرة والتجارب الخاصة التي يمر بها فقط بل بواسطة التعليم الذي يكتسبه بشكل مباشر عن طريق الاسرة بعتبارها الوسط الوحيد الذي يواجهه الطفل في حياته الاولى بعد الولادة         

   فالشخصية ذلك التنظيم الثابت والدائم الى حد ما لطابع الفرد ومزاجه وعقله وبنية جسمه فهوالذي يحدد توافقه الفريد لبيئته .

      وبالرغم من ان الشخصية غيرموروثة فأن مكوناتها موروثة ، فبناء جسم الفرد والطريقة التي تتكامل بها الاعضاء والطريقةالتي يقوم بها بوظائفه ومزاجه واستعداداته كل ذلك يؤدي الى التوافق معها و تصبح نتاجاً  للتفاعل بين امكانية الطبيعة وبين البيئة .

      من هنا يمكن القول بان للاسرة دور كبير في تكوين الشخصية ، فالاسرة المدرسة الاولى للطفل حيث يتعلم من خلالها الثقافة والحضارة الاجتماعية زيادة الى تعليمهم الدين واللغة …الخ ، ولايستطيع المجتمع وحده ان يكمل شخصية الطفل اذا لم يمر بالمراحل الاولى للتنشئة في احضان العائلة والتي تحدد شخصيته الاساسية في المستقبل ، كما قال (فرويد) : ((ان السنوات الخمسة الاولى من حياة الطفل هي الاساس الذي تكون شخصية الانسان وتؤثر عليه في المستقبل ويعني هذا مرحلة الحضانة بالنسبة للاسرة واهميتها )).   

 بعدها يبدأ اكتساب معارفه الاخرى من المجتمع الكبير خارج الاسرة عن طريق الاصدقاء (المحلة) ثم المدرسة ، واخيراً مجال العمل .  

      ومن المهم عند دراسة الشخصية معرفة الامور التي تخص الاسرة التي نشأ فيها الفرد والتي يعكس عليها ثقافة المجتمع الذي نشأ فيه كون العائلة تلعب دوراً أساسياً ومهماً في تشكيل شخصيته وتهيئته ليكون انساناً اجتماعياً .  

      ويمكن ملاحظة تأثير التغيرات التي طرأت على الشخصية العراقية والاسرة بسبب عملية التحضر التي ظهرت في المجتمع بشكل واضح بعد التطور العلمي والتكنلوجي الذي صاحب جميع المجتمعات تقريباً وبدرجات متفاوته .  فادى الى تغيير شكل الاسرة وبنائها ووظائفها وحولها من اسرة ممتدة الى اسرة نووية ، وغيرة العلاقات الاسرية من علاقات دكتاتورية سلطوية مطلقة للاب الى علاقات ديمقراطية ومشاركة الام والابناء في اتخاذ القرارات داخل الاسرة ، وادى بدوره الى تغير نمط الشخصية بشكل كبير .

     كما بينا خلال دراستنا المتواضعة هذه بان الاسرة الممتدة لم تكن مشاكلها اقل من الاسرة النووية ولم تكن افضل في تنشئة  الأطفال .

      فالاسرة النووية العربية والعراقية منها هي غير منقطعة نهائياً عن (العائلة الام) بل لازالت جذور الاتصال موجودة لحد الان بسبب تمسكها بالقيم الاساسية لها .

       واخيراً يظهر دور العائلة في ادخال الحضارة والنظم والعادات والتقاليد التي تسود في المجتمع الى الشخصية باعتبارها هي التي يعيش فيها الفرد وتشكل جسراً يربط بين الفرد والحضارة والمجتمع ، وتتشكل على اساسها نماذج الشخصية .

من اهم الاستنتاجات والمقترحات التي توصلت اليهاالباحثة :

  1. الاسرة تخلق انماط  مختلفة من الشخصية كلاً حسب واقعة .
  2. كل شخصية في المجتمع ليس لها مثيل متطابق ومتشابه لاختلاف الخبرة ( التجارب التي تمر بها ) .
  3. على الاسرة خلق جو من التعارف بين افرادها لتخلق الشخصيات المتعاونة والمتوازنة وغرس التعاليم  الايجابية له وتجعله شخصية انبساطية غير انطوائية .
  4. خلق حالة  من التوازن بين قيم الاسرة وقيم التحضر في المجتمع لكي لا تتضارب داخل الشخصية وتخلق لها امراض نفسية متعددة بل تجعله يتقبل كل ما هو جديد بشكل معقول وذلك عن طريق التخطيط الاسري الحديث الذي يشترك به  جميع افراد الأسرة لتقرير مصيرهم لانه يهم الجميع .
  5. ان الشخصية العراقية لاتختلف عن بقية الشخصيات في المجتمع العربي وللاسرة الحضرية والريفية أثر فعال على تكوين شخصية افرادها زيادة الى المجتمع الخارجي الذي يلعب دوراً كبيراً في تكوين الشخصية .

                                                                

 أ.م.د. وئام عدنان

      بسم الله الرحمن الرحيم    
     عالمة الفرائض ستيتة المحاملي

يتبين من خلال الدراسة في كتب التاريخ , والتراجم والسير , وكتب الطبقات ان عدد كبير من النساء , عملن بمختلف مجالات العمل الديني , فكانت هناك المحدثات وهن كن على علم بما ورد عن الرسول (صلى الله عليه وسلم ) من قول وفعل . وكان هناك الواعظات . وهن من اعتمدن على القران , والحديث النبوي الشريف لتوجيه النصائح للناس , وشيخات الربط وهن اللاتي قمن على ارداة دور الصوفية ورعاية المتصوفين وتعليم التلاوة والذكر فضلاً على قيام شوؤن الدار , وهناك الفقيهات اللاتي اتمنن داسة الاحكام الشرعية واصبحت مؤهلات لاصدار حلول , وأراء شرعية لمشاكل تعرض عليهن ومنهن عالمتنا الجليلة أمة الواحد بنت ابي عبد الله الحسين المحاملي التي كانت مصدراً من مصادر الاحكام الشرعية الخاصة بالفرائض في عصرها .

والحديث عن ستيتة المحاملي هو الحديث هو الحديث عن الثقافة النسائية في العراق في القرن 4هـ /10م , لان ثقافة ستيتة تمثل اعلى ما وصلت اليه المرأة العراقية المثقفة في القرن المذكور.

نشأت ستيتة في بيئة علمية متميزة , ساعدت في تكوين شخصيتها العملية , وظهور مواهب , وسرعة نبوغها ونجابتها , فهي تنتسب الى اسرة المحاملي التي اشتهرت بتفوقها العلمي , اذ ألف أفرادها المرابطة في حلقات العلم وملازمة مجال التعلم والاستئناس بمرافقة العلماء وآثروا الانتساب الى حلقات التدريس والافتاء التي كانت تغص بها مدارس ومساجد بغداد , فبرز عدداً من افرادها وتقلدوا مناصب مرموقة في التدريب والافتاء والقضاء , وغير ذلك من المناصب العلمية.

ومن اشهر علماء هذه الاسرة واعلامها:

جدها اسماعيل الضبي محدث بغداد و والدها الحسين بن اسماعيل المحاملي القاضي العلامة الحافظ شيخ بغداد ومحدثها و عمها المحدث القاسم بن اسماعيل بن محمد المحاملي وهو من اهل الحديث والعلم.

ازاء هذه المكانة المرموقة والمنزلة العلمية الرفيهة التي تألقت فيها اسرة ستيتة,كان من الطبيعي ان تتبع خطى اعلامها وتكون خلفآ صالحآ لسلفآ صالح , فولادتها ونشأتها في كنف هذه الاسرة يرعى شؤونها عالم جليل , وامام كبير , حري ان تكون نشأتها قائمة على الفضيلة بجانب العلم.

واصلت ستيتة سعيها لطلب العلم حتى بعد الزواج , وليس أدل على ذلك من نبوغها وبراعتها في علم الفرائض , فصارت الملاذ الذي تلجأ اليه دور القضاء في بغداد لايجاد الحلول للمشاكل المتعلقة بالتركات .

بدأت ستيتة العلم والتحصيل الدراسي وهو ما درج عليه المسلمون في دفع بناتهن الى طلب العلم في سن مبكرة خاصة مع اللواتي تميزن بالذكاء والفطنة . هذا بالنسبة لعامة المسلمين فما بالك بأسرة علمية مثل أسرة ستيتة , فكان بيتها وأفراد سرتها هو منهلها العلمي الاول ومدرستها الاولى في التعليم وابرز العلوم التي تلقتها , هى : القرآن والحديث والفرائض والعربية .

ولم تقصر ستيتة تعليمها على علوم القرآن وحفظ الحديث وروايته فقط , بل اتجهت الى دراسة الفقه , رغم انه من العلوم الدينية التي تحتاج الى قدرات عقلية تحليلية , ودراية واسعة بعلوم الدين ومعرفة احكامه , وبرعت في العديد من فروعه اهمها علم الفرائض وحسابها ومسائل الدور فكانت اعلم زمانها بهما واحفظهم فذاع صيتها , فلما صار لها قدم راسخة ومؤهلة لاصدار حلول وآراء لمشاكل تتصل في هذا المجال , تصدرت للافتاء وبجدارة .

لقد سجلت ستيتة اضافة الى تميزها بالفقه , ورواية الحديث حضوراً علمياً مهماً بخوضها بأحد الجوانب العلمية المهمة , وهو علم الرياضيات وما يتعلق به من معارف , ولعل تميزها يعود الى براعتها في الفرائض التي كانت بالاساس قائمة على مسائل رياضية وبذلك تكون قد اعطت لنا برهاناً ودليلاً هاماً وخوضها في الجوانب العلمية الصرفة .

وبعد رحلة طويلة قضتها ستيتة في طلب العلم والاستزادة من مصادره الفكرية الاصيلة , ثم نشره بين الناس لينتفعوا به , غادرت الحياة الدنيا في رمضان سنة ( 377هـ / 987م ) آمنة مطمئنة على رسالتها العلمية التي حملها تلامذتها من بعدها .

 

الشاعر معروف عبد الغني الرصافي وتوثيق الحياة الاجتماعية في مدينة بغداد في شعره        
             أ .م . د. كمال رشيد العكيلي

شاءت الصدف والاقدار ان يقوم في بلاد العراق شاعر نابغة ويتلقى راية الشعر الاجتماعي الا وهو الشاعر معروف عبد الغني الرصافي . أمّا مطالبه وأغراضه الشعرية فهي من اشرف الاغراض وانبلها ، وربما لم يقم الى اليوم في بلادنا شاعر بمستواه ومكانته وشاعريتهِ ، فالرصافي ابدع القول في توثيق الحياة الاجتماعية في مدينة بغداد وعموم العراق ومن ثمّ فالرصافي لم يكن مجرد كاتب او صحفي او أي شاعر بل فيلسوف عصره.

وعليه يمكن القول أن الشاعر الرصافي لم يشبه أحد من الشعراء المعروفين ، لأنه التصق بالناس وحياتهم وهمومهم ، لذا أصبح مرآة صادقة وحقيقية في توثيق وتحليل لحياتهم الاجتماعية.

فشعر الرصافي هو اصفى وانقى مرآة تنعكس عليها حياة حقبة تاريخية انعكاسا ً صادقا ً امينا ً ، كما انه خير سجل وتوثيق للحقبة التاريخية التي اجتازها العراق منذ اواخر العهد العثماني حتى يوم وفاة الشاعر .([1]) وما يميز شاعريتهِ عن غيره من الشعراء انه ترك تراثا ً فكريا ً ظهر في  كتب ومقالات نثرية مكتوبة بمنهجية رصينة ، ومن خلال رؤية متفحصة وباحثة ومنقبة في التفاصيل معتمدة على وثائق وافرازات التاريخ القديم والحديث ولا سيما كتابة ( الشخصية المحمدية ) وقد الفه عام 1933 في مرحلة الفلوجة من حياتهِ حيث تفرغ نسبيا ً للبحث والكتابة ، لكنه لم يستطع ان ينشره في حياتهِ .([2])

واعتقد ان الشاعر معروف عبد الغني الرصافي هو ثاني اثنين بارزين الى جانب غريمه الشاعر جميل صدقي الزهاوي من شعراء مرحلة النهضة الفكرية في العراق في نهايات القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين فقد كان له الدور المؤثر والمميز في تحريك الراكد الثقافي والسياسي بوساطة القصيدة الشعرية ذات البناء العمودي التقليدي . فهو ايضا ً من دعاة التحرر والاستقلال والتقدم بأعتماد العلم والتقنية الحديثة والعقلانية وتحرير المرأة وتطوير التربية والتعليم .([3])

ومن أول هذه الأمور الاجتماعية التي طرقتها شاعرية الرصافي بل واولاها اهتماما ً خاصا ً هو ( العلم ) ، إذ هو يشد جميع الظواهر الاجتماعية في الحياة الاجتماعية الى العلم ، وحسب رأيه فالعلم هو الحياة ولا حياة لمن لا علم له . والعلم هو ذلك النور الذي يستضاء به ، فيما الجهل هو ذلك الظلام الذي يعمي القلوب والابصار .([4])

ولا مبالغة اذا ما قلنا ان الشاعر الرصافي هو شاعر كبير لا تستغني عنه مكتبة الشعر العراقي والعربي ، فقد نظم في شاعرية فريدة اروع القصائد واجملها ، علاوة ً على كونه صاحب المواقف الثابتة والصلبه التي لا تتغير ابدا ً .([5]) وأكبر دليل على ذلك ان هذا الشاعر قد فارق هذه الدنيا وهو الشاعر الحرُّ فقيرا ً معدما ً بائسا ً .

وكان الرصافي في أواخر أيامه لما حياه الشاعر محمد مهدي الجواهري بقصيدة نشرت في عام 1944 من ابياتها :ـ([6])

             وكُنْتَ جريئا ً حينَ يدعُوكَ خاطِر ٍ             

                                                     من الفكرِ أنْ تدعو إليك المخاطرا

           وكُنْتَ صَرِيحا ً في حَياتِك كُلَّها                  

                                                    وكــانَ وما زالَ المصــاِرحُ نــادرا

      ويتحدث الشاعر الرصافي عن تاريخ مدينة بغداد عاصمة الدنيا أيام العباسيين فيقول:ـ([7])

                سَلْ رُبَا بغدادَ عمّا قَدْ مَضـى                      

                                                     بَني العبــاسِ في تلكِ الدّيـــار

   يقول الرصافي في قصيدة ( بعد النزوح ) :ـ([8])

              أنا اٌبنُ دِجلةَ معروفا ً بها أدبي                   

                                                     وإنْ يَكُ الماءُ مِنها ليسَ يروِينــــي

             قَدْ كنتُ بُلبلهاالفريدُ انشدها                    

                                                    أشجى الأناشيدُ في اشجى التلاحين

            ويلُ لبغداد ممّا سوف تذكرهُ                  

                                                   منَّي وَمِنهــــا الليالــي فِي الدّواويـن

            لقد سقيت بفيض الدمع اربعها                

                                                  على جــوانب ود لــيس يسقينـــــي

      نلاحظ في هذه الابيات الشعرية الرائعة كيف يصور الشاعر الرصافي ما كان يرجوه ويتمناه للعراق ولأهل العراق ، وما كان يرجو ويتمنى لنفسهِ من أهل العـــراق .

    ويذكر عن الرصافي انه استقال من الوظيفة بعد قيام الحكم الملكي عام 1921 بمده قصيرة وعليه قرر السفر وفي عزمه ان يهجر العراق الى غير رجعة وهو يقول:ـ([9])

                  قَدْ كانَ لِي وطنُ أبكي لنكبتهِ            

                                                           واليومُ لا وطنََُ عِندي ولا سَكن

                 ولا أرى في بلادٍ كُنْتُ أسكنها           

                                                           الا حُثالة ناس ٍ قاءها الزمـــــن

اعتاد ( محمود صبحي الدفتري ) وهو من أعيان مدينة بغداد ويمثل النخبة المثقفة ، ان يفتح بيتهِ في أيام الجمع من كل اسبوع لأصدقائهِ من الشخصيات ووجوه البلد ، وكان يطلق على ( صالون الجمعة ) وهذا المجلس كان لا يخلو من النكات واللطائف والاحاديث الادبية الشيقة .([10]) ومن الأحداث الاجتماعية الطريفة التي حدثت في هذا المجلس والتي سجلتها ذاكرة الاجيال في مدينة بغداد هي المصالحة التي تمت بين الشاعرين معروف عبد الغني الرصافي وجميل صدقي الزهاوي في عام 1928 في دار ومجلس محمود صبحي الدفتري وبحضور نخبة من الكتُّاب والأدباء والشعراء . لذا خاطبه الشاعر الزهاوي بقصيدة ختمها بالبيت :ـ([11])

                   جَمَعَ الأديبُ الحُّر صبحي شملنا               

                                                                في دارهِ اكـــرم بهــا من دار

 

          ومن المفارقات والمقالب التي حدثت اثناء هذه الوليمة من أجل المصالحة بين الشاعرين الرصافي والزهاوي في دار ومجلس الدفتري , هي عندما تقدم الشاعرين وبقية الضيوف الى الطعام وكان عبارة عن رز ولحم , فكان اكثر اللحم هو بجانب الزهاوي فقال الزهاوي بصوت مسموع .. (عرف الخير أهله فتقدم) فرد عليه الرصافي وعلى الفور …(نبش الفأر رأسه فتهدم) [12] . وهذه الحادثة وغيرها تدلل بما لا يقبل الشك في تلقائية وسرعة بديهية أمتاز بها  الرصافي وأساسها شاعرية فريدة امتاز بها هذا الشاعر الكبير معروف عبد الغني الرصافي . بينما يتحدث الشاعر أحمد الصافي النجفي عن أول لقاء له مع الشاعر معروف الرصافي , حين زار الرصافي مدينة (دمشق) وكان الشاعر الصافي فيها . حيث تولى أحد الادباء التعريف بين الشاعرين فكان الرصافي بديناً كما هو معروف وكما هو واضح من تمثاله المنتصب بين الرصافة وجسر الشهداء ببغداد , على حين كان الصافي النجفي بادي النحول طوال عمره . فقال الصافي للرصافي عند التعارف (لقد زادك الله علي بسطةً في العلم والجسم والأسم , فضحك الرصافي وأستملحها ) والمقصود هنا طبعاً عدا التباين بين الجسمين , زيادة الراء في الرصافي على الصافي كما ان زيادة البسطة في العلم والجسم اقتباس من تعبير قرأني ([13] )  ونتيجة لهذه المكانة العلمية والادبية والاجتماعية التي وصل اليها الشاعر بجدارة وعصامية واستحقاق في الشعر والادب واللغة والاجتماعيات مما ميز شاعريته ضمن جيله والاجيال اللاحقة واستحق بجداره شاعر الاجيال , وهكذا تفتحت له أفاق جديدة ودرت عليه اخلاف الرزق ولولم يكن الرصافي اخرق الكف متلافاً لجمع ثروة كبيرة . وقد ذكر (محمد كرد علي) .*

          ( ان الرصافي اعترف له انه اسرف على نفسة في الاستانة خلال اربع سنين ماكان عليه ان يأتيه في اربعين سنة ) ([14]) . وبالمقابل فأن شاعريته فالرصافي شاعر حرّ الفكر يصدع بما يملي عليه عقلة ووجدانه لايوارب في رأي يؤمن به , ولايماري في قول يعتقد بصحته وقد اعرب مراراً عن مذهبه الفكري وهذا في غير موضع في قصائده ومنها ماجاء في مستهل قصيدته (حقيقتي السلبية ) يقول فيها ([15])  :-

 

             

                أحُبّ صراحتي قولاً وفعلاً

                                                          وأكْرَهَ أنْ أميلَ الى الريـــــاء

               فما خادعت من أحدٍِ :بأمرٍ

                                                          ولا أضمرت حواً في أرتغاءِ

              ولستُ من الذين يرون خيراً

                                                         بأبقاء الحقيقة في الخفــــــــاءِ

          وعن رأي الرصافي في الشعر العربي المعاصر فأنة يرى ان العصر الحاضر هو عصر مدنية راقية وعلم واسع وإثار باهرة وبدائع زاهرة ومخترعات عجيبة ومكتشفات غريبة كما انة عصر يجب ان يكون منطبقاً من جميع الوجوه على ما تقتضيه روح هذا العصر والآ فلا يستحق النسبة اليهِ ([16]) .

وبالتالي نستطيع القول ان الشاعر الرصافي يعد اول صوت للشعر الاصلاحي أنفجر في بغداد أولاً ثم بقية العراق في حقبة تاريخية مهمة _ فيها شعراء عمالقة أخرين _ وان الاصوات التي ارتفعت بعد ذلك الصوت لم تكن الآ اصداء لهذا الصوت الذي ارتفع قوياً جريئاً جهيراً مطالباً بالحرية والعدل الاجتماعي شاجباً الظلم والجور واصفاً مشاهد البؤس والشقاء التي رانت على ابناء وطنه بروح انسانية وشعور وجداني نبيل لم يعهد الناس مثلة من قبل حتى شك كثير من ادباء مصر وبلاد الشام ان يكون هذا الشاعر الذي تناول بنقده السلطان العثماني (عبد الحميد الثاني) له وجود حقيقي فمن يجرؤ ان يقول في مخاطبة السلطان _ يومئذ _ بقوله من قصيدته    (أيقاظ الرقود) ([17]) :-

                    أقولٌ وليسَ بعضُ القول جداً

                                                        لسلطانٍ تجبر واستبــدا

                   تعدى في الأمور وما أستعدا

                                                       الا ياأيها الملك المفـــدى

                   ومن لولاه لم نك في الوجودِ

   ويكفي معروف الرصافي نبلاً انه خرج من هذه الدنيا للقاء وجه ربه وهو لايملك ثمن كفنه   

الشخصية العراقية ومتغيرات العصر

دراسة تحليلية

 م. د.زينب عبد الحسن الزهيري                                                 م. حارث علي حسن ألعبيدي

          جامعة بغداد                                                               جامعة الموصل/ كلية الآداب

 مركز إحياء التراث العلمي العربي                                                     قسم الاجتماع

                                                                          

ملخص

     لا جدال في أهمية الشخصية بسماتها النفسية والاجتماعية والثقافية، ودورها بناء وتنظيم المجتمع وتشكيل ثقافته العامة والفرعية التي تعد المرجع للقيم والموجه للسلوك الفردي والجماعي في الحياة الاجتماعية اليومية. فالشخصية تشكل الوعاء الذي تصب فيه روافد الثقافة التي تتضمن كل ما صنعه وأنتجه الإنسان أينما وجد، سواء كان مادياً أم معنوياً، وترتبط بحاجاته ارتباطاً وثيقاً، وهذه الحاجات رغم تنوعها واختلافها وتعددها تخضع لظاهرة التغير والتغيير الذي يعد قانون الوجود. إذن مركبات الشخصية عموما لا تبقى في حالة ثابتة Static ، بل تكون بوضع متحرك Dynamic ، وذلك بفعل عدد من العوامل الداخلية والخارجية، التي تجعلها تتثاقف وتتلاقح مع غيرها من الشخصيات الانسانية في المجتمعات الأخرى من خلال التماس الثقافي معهم، فتجعله يُصدّر ويقتبس أنماط ثقافية مادية أم معنوية. وذلك بتأثير عوامل عدة، منها وسائل الاتصال. وقد ارتأى الباحثان إجراء هذه الدراسة للوقوف على أهم مظاهر العلاقة الجدلية بين ثقافة المرء بوصفها عنصر فعّال ومهم في المجتمع مع وسائل الاتصال الحديثة كأحد عوامل التغير الاجتماعي والثقافي في سمات الشخصية. لا سيما وان مجتمعنا يشهد تحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية سريعة، بفعل الانفتاح المفاجئ على العالم الخارجي بعد 2003 وعلى كافة الأصعدة، بعد أن كان مغلقا في شبه عزلة اجتماعية وثقافية. وقد تألفت الدراسة من أربعة مباحث، فضلا عن مقدمته وخاتمته.

                             

                                     

                                 وقائع ندوة

                  مركز إحياء التراث العلمي العربي

                                الموسومة

                  الشخصية العراقية وآفاق حضورها

                         في التراث والمعاصرة  

     

                                 تحت شعار

           البحث العلمي وسيلة لحماية المجتمع والشخصيات

                             من الضياع والإندثار

                                  الموافق

                            15  / 5 / 2013

                     

                      اعداد اللجنة التحضيرية

          بإشراف الأستاذ الدكتور خليل حسن الزركاني 



[1] . رؤوف الواعظ ، الرصافي حياتهِ وادبه السياسي ، دار الكتاب العربي بمصر ، القاهرة ، 1961 ، ص103 .

[2] . سعد محمد رحيم ، مصدر سابق ، ص10 .

[3] . المصدر نفسه .

[4] . رؤوف الواعظ ، مصدر سابق ، ص103 .

[5] . عادل العرداوي ، مصدر سابق ، ص310 .

[6] . سعد محمد رحيم ، مصدر سابق ، ص10 .

[7] . رؤوف الواعظ ، مصدر سابق ، ص69 .

[8] . المصدر نفسه ، ص80ـ81 .

[9] . عبد الحميد الرشودي ، مصدر سابق ، ص30 .

[10] . حسين الكرخي ، مجالس الادب في بغداد ، ج1 ، مطبعة الديواني ، بغداد ، 1987 ، ص30 .

[11] . مجلة امانة العاصمة ، العدد (18) ، 1978، ص45.

[12] . المصدر نفسه .

[13] . عبد الحق فاضل ، ذكريات عن احمد الصافي النجفي ،مجلة المورد ، العدد (2) ، صيف ، بغداد ، 1980 ، ص41 .

* . باحث لغوي ونحوي سوري كبير له مساهمات عديدة في اللغة والادب والصحافة والمجامع العلمية العربية .

[14] .عبد الحميد الرشودي ، مصدر سابق ، ص 24 .

[15] . المصدر نفسه ، ص132 .

[16] . المصدر نفسه ، ص135 .

[17] . المصدر نفسه ، ص143 .

Rashcمؤلف

Avatar for rashc

مركز احياء التراث العلمي العربي مركز يعنى بالتراث العربي

Comments are disabled.