من أجل رسم صورة واضحة المعالم للعملية السياسية العراقية وما تعانيه من مشاكل لابد من اعطاء مشاركة المرأة عناية خاصة، كونها جزء له ثقله المؤثر من خلال عددها بالنسبة لعدد سكان العراق، وما أعطاها إياه الدستور من نسبة عددية في المؤسسات التشريعية والتنفيذية ( الكوتا ) ، لذلك أصبح لها وزنها في ميزان القوى السياسية، ويفترض بها أن تكون قادرة على أن تؤثر وتوجه في تغيير ملامح تلك الصورة .
إلا أن الواقع مختلف عن الطموح حيث ضعف الاداء كان سمة واضحة وبارزة لمشاركتها في العملية السياسية، وبالتالي أصاب تلك العملية القصور والتلكأ . فالمتابع لدور المرأة يجد ان هناك ضعف ظاهر ذو تأثير سلبي على الوضع الراهن والمستقبل . والباحث في الأسباب التي كانت وراء هذا الضعف والانحدار لدور المرأة العراقية في النهوض بدورها لانتشال مجتمعها من الفوضى والضبابية، سيجد أن هناك عدد من الاسباب السياسية والاجتماعية والثقافية متظافرة مع بعضها ومتداخلة حتى أدت إلى هذه النتيجة .
فأكثر من نصف المجتمع مهمش لا يؤدي دوره في النهوض ومعالجة المشاكل، فضلا عن أن من يمثلن صورة المرأة العراقية السياسية فشلن طوال المدة السابقة في غرس الثقة بقدراتها وفرض وجودها ، إذ ظهر الانقطاع بينهن وبين مجتمعهن، ولم تكن جهودهن جدية لمعالجة مشاكل المرأة، التي رفعت كشعارات خالية من المصداقية ، ولم يتمكنّ من تأسيس تحالف نسائي يضم السياسيات في الكتل المختلفة .
فلم تكن مشاكل وحقوق المرأة مسؤولية حقيقية جامعة لهن، ودافعة لتوحيدهن وفق إستراتيجية سياسية، بل كنّ مرآة عاكسة بوضوح للخلافات بين القوى والكتل السياسية المتصارعة . فضلا عن عدم جديتها في الافادة من الفرص المتاحة لها، ومنها قرار الأمم المتحدة (1325) الذي نص على وجود المرأة في التشكيلة التي تتولى إيقاف وحل واعادة السلام . فلم نجدها مكترثة لتهميشها، ولم تكن موجودة بقوة في المفاوضات والوفود التي ناقشت قضايا ذات طابع حساس وخطير، ولم يكن اسهامها مؤثرا في هذه القضايا .
إن هذا لا يعني حكماً مطلقاً بعدم وجود سياسيات متميزات في الساحة العراقية، ولكنه يبقى تميز ضعيف، كونها حالات فردية وغير قادرة على الانجاز، لافتقارها للدعم النسائي من السياسيات الأخريات، بحيث تمكن أن يشكلن صوتاً موحداً فيما يخص قضايا وحقوق المرأة على الأقل.
إلا أن هناك أمل بتغيير تلك الصورة، ومبعثه من المؤهلات التي تملكها المرأة العراقية ذات التاريخ المشرف التي ساهمت في رفع مكانة العراق حينما كان قبلة العالم الحضارية . إذ كانت مشاركتها في ركن من أهم أركان البناء لمجتمع متطور، وهي الحركة التعليمية . واليوم ومن الباب ذاته بدأت المرأة العراقية تدخل بثبات لتقدم الدليل على انها واعية اين تضع قدمها، لأنها تدرك أن إنقاذ البلد من المشاكل والفوضى لن يأتي ألا بتنشئة جيل جديد يؤمن بدور المرأة التي رافقته أما وأختا ومعلمة .
فمنذ أكثر من ألف عام قال العالم (سيسترو) : ” إن أعظم هبة يمكن أن نقدمها للمجتمع؛ هي تعليم أبنائه ” ، فبالتعليم يمكن تنمية روح المواطنة الصالحة، وإذا ما قيل بأن مستقبل المجتمع ومصيره إنما يكونان في أيدي أولئك الذين يربون أجيالها الناشئة، فلن يكون ذلك مجرد قول بعيدا عن الحقيقة .
وقد وردت فقرة مهمة في التقرير الأمريكي (أمة في خطر) الذي صدر عام 1983 إنه : ” إذا أردت أن تنزع سلاح أمة، فلتنزع تعليمها، وهو ثروتها الطيبة والمهمة، وهو قوة الأمة بما تمتلكه من معرفة متطورة وثقافة متقدمة وثروة بشرية متعلمة قادرة على الانفتاح والإبداع والتجدد، وتحقيق أفضل معدلات التنمية البشرية الراقية وقادرة على امتلاك إنتاجها التكنولوجي ” . ومن هنا فأن المستقبل سيكون بيد المرأة التي أكدت حضورها في الحركة التعليمية كونها بوابة الامل للعراق في تغيير الواقع، ولاسيما من خلال الأدوار التي مارستها وتمارسها في مؤسسات التربية والتعليم، وتحديداً في مؤسسات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بجامعاتها وكلياتها المختلفة .
ومن هذا الدور يمكن البناء لتحديد الدور المستقبلي للمرأة العراقية في الحياة السياسية، فهي متى ما أعطيت الثقة اللازمة لكي تمارس دورها السياسي المطلوب منها فإنها ستكون الرافعة المهمة لجودة الحياة السياسية في العراق .
ولكن إلى أن يحين موعد اعطاء تلك الثقة للمرأة في الحياة السياسية هل عليها أن تجلس لتنتظر فرصة قد تأتي وقد لا تأتي ؟ أعتقد أن ذلك غير مجدٍ في حالة مثل الحالة العراقية، وعليها أن تتحرك بجدية لتمارس دورها الحقيقي الذي يجب عليها أن تمارسه، وتخرج من العباءة التي رسمت لها في أن تكون مجرد أرقام تكتمل بها القوائم الحزبية، ويجب عليها من مختلف المكونات والكتل السياسية أن تتحرك مجتمعة لكي تكون كتلة تصويتية واحدة ، على الأقل في الأمور الممة لها، كقضايا المرأة والمجتمع والضمان الاجتماعي والصحي والطفولة