قدّم الاستاذ المساعد الدكتور صبيح مزعل جابر يوم الاربعاء , الموافق 11/12/2013 وعلى قاعة مركز احياء التراث العلمي – العربي في جامعة بغداد محاضرة بعنوان (ظاهرة الغربة والحنين في الشعر العربي ) . وهي محاضرة استعرض فيها اهم ما جاء في كتابه الذي صدر حديثاً و ويحمل عنوان المحاضرة ذاتها ، حيث بدأ بقوله تعالى : ((” ولو كتبنا عليهم ، ان اقتلوا انفسكم او اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ،)) عرف الغربة لغة واصطلاحاً , وكذلك الحنين .
ثم تحدث عن الموضوعات والمباحث وبيّن انها تسعة مباحث تناولت ظاهرة الغربة منذ العصر الجاهلي وحتى الان ، معتمدا على التراث الشعري العربي الغزير ورصداً لهذه الظاهرة بكل تفاصيلها وآثارها السلبية في نفوس الشعراء الذين عاشوا معاناة الغربة وتداعياتها المؤلمة .
وقال : ان اصعب انواع الغربة تلك التي تولّد الحنين الطاغي لدى الانسان الى مألوفاته المادية والشعورية ، التي فارقها مرغماً ، وعادة ما تكون هذه الغربة , اما مكانية (وجودية) او زمانية او روحية .
والغربة المكانية (الوجودية ) اما ان تكون قسرية او طوعية ، مدفوعة بظروف غير طبيعية تجعل الانسان يفقد الفته لمألوفاته الروحية التي عاش معها ، وتربى في بيئتها القريبة من قلبه وروحه ، وهي غربة امتدت مع امتداد التاريخ وتحولاته الطبيعية والاجتماعية .
وفي الجانب الآخر من غربة الانسان واعني بالغربة الروحية , فقد كانت هذه الغربة قد نسجت خيوطها المتشابكة ، لتلتف حول عنق الانسان وتزيحه عن مداره التقليدي في مجالات الحزن او الفرح ، او في المشاركة الوجدانية مع الناس ، حيث تستطع هذه الغربة ان تخرج صاحبها من زمانه وعصره ، وتلقي في عتمة زمان غريب ، يشعر بغرابة كل ما فيه .
وقد عبر عنها ابو حيان التوحيدي خير تعبير حين قال : ” اغرب الغرباء من كان غريبا في وطنه ، وابعد البعداء من كان بعيدا عن مكان قربه “. ولما كان الشعراء هم اقدر الناس على التقاط مثل هذه المشاعر والأحاسيس ولكون الغربة مرتبطة ايضاً بالمشاعر والأحاسيس ، فقد اجرينا قراءة سريعة في بعض صفحات تأريخ التراث الشعري العربي ، اوصلتنا الى ان هذه الصفحات قد شكلت سلسلة مترابطة من المعاناة الحسية والجسدية والروحية التي تولدها الغربة بأشكالها المتنوعة او لحظاتها المرة . وحين وصلتنا الى عصرنا الحديث وجدنا شعراءنا الكبار ، الملتزمين بقضايا مجتمعاتهم , وجدناهم مشردين ومنفيين وقد مات اغلبهم في منافي العالم ودفنوا في مقابر الغرباء بعد ان قست عليهم الغربة التي طال امدها اكثر مما كانوا يظنون .
بعد ذلك عرض الدكتور صبيح في محاضرته نماذج من شعر الغربة لشعراء عاشوا عصور الشعر العربي ، بدءاً بالعصر الجاهلي وانتهاء بعصرنا الحديث وقد ذكر ايضاً بأن هؤلاء الشعراء وكذلك غير الشعراء الذين عانوا الغربة والحنين ، ومات جلهم في الغربة يرتبطون جميعا بخيط واحد ، وهو خيط الالتزام بالموافق الانشائية ، كما انهم يتميزون بالشجاعة والإقدام والتضحية في سبيل المبادئ والقيم العالية ، ولنا في مأساة الحسين (ع) وآل بيته ارقى الامثلة في الالتزام بالقيم والمبادئ وعدم الخوف من الموت سواء في الغربة او في غيرها .
كما تطرق الدكتور في محاضرته وذكر نماذج من قصيدته (مالك ابن الريب ) التي قالها وهو يحتضر في مكان بعيد ، وارض غريبة ، وهو وحيد بعد ان طلبا من رفيقي سفرة ان يتركاه ويرحلا .
بعد ذلك استعرض اهم ما قيل من اشعار الشعراء معاصرين عاشوا الغربة وماتوا فيها ، كالجواهري ، والبياتي ، والسياب ، وبلند الحيدري ، ومصطفى جمال الدين وغيرهم الكثير ممن دخلوا عالم الابدية من بوابة المنفى .