كثيرة هي الكتابات التي تناولت الحضارة الاسلامية، واتهمتها بانها حضارة السيف وانها نشرت الاسلام بالقوة ، بيد ان المنصف من انتظر قليل قبل اصدار حكمة هذا ، لان الفتوحات العسكرية ، لم تنشر الاسلام ولم تفرضه بقوة السيف ، فلم تذكر الاصول التاريخية ان الحكام والقادة العسكريين فرضوا على الشعوب والاقوام التي انطوت تحت لوائها دخول الاسلام قسرا، وانما تركت لهم حرية العقيدة ووفرت لهم الحماية ، لان العقيدة الاسلامية تؤمن ان لا اكراه في الدين والاسلام نعمة من نعم الله ، والنعمة تهدى ولاتفرضفلم يكن ايمانهم بالاسلام الابعد ان تبنيت خصالة وروحة السمحاء فالاسلام فرض نفسة بنفسة من خلال تعمل المسلمين فيما بينهم ومع الاخرين ، فكان ايمانا صادقا نابعا من قناعة وحرية لذلك بقى راسخا حتى بعد زوال قوة الاسلام السياسية ، ولنا في الاندلس خير مثال على ما نقول ، فعلى الرغم من انتهاء الحكم العربي الاسلامي في عام 897هـ/ 1492م، واصدار القوانين التي تحرم ان يكون الاسلام دينا يعبد فيها ، واتخاذ اقسى وابشع اساليب التعذيب ضد من من يثبت علية انه لا يزال مسلما حتى لو بمجرد وشاية او شبهة فاضطر المسلمون لاظهار النصرانية واضمار الاسلام ومع ذلك بقى الاسلام قويا صامدا ، وابتكر المسلمون اساليب في التهرب من المراقبة وممارسة شعائر الاسلام ، وتعليم ابناءهم اصول الدين سرا، حتى انتهى الامر بقرار الطرد سنه 1609 وسلبهم ممتلكاتهم وابنائهم.
ان سر تلك القوة في العقيدة التي جعلت حامليها يتمسكون بما امنت به نابع من روح الاسلام الذي وحد الجماعة الاسلامية وجعل منهم حضارة لها سماتها العالمية والانسانية ، كان اساسها الوحدة الثقافية حيث الاسلام الذي حث على طلب العلم بغض النظر عن الفزارق الاجتماعية والعرقية ، فالمسلمون متساوون والمجتمع الاسلامي خال من الطبقية ، وبذلك خلق تقاربا فكريا بين كل الامم والشعوب التي انطوت تحت لواء انه ، وبفضل ذلك تمكن من التغلب على كل الازمات التي تعرضت لها الامة الاسلامية عبر العصور التاريخية ، لان الحوار كان هو السبيل الذي انتهج في الاختلافات الفكرية بين الفرق الاسلامية وغيرها من اهل الاديان التي تمتعت بحرية العقيدة والحماية .
ان التاريخ الاسلامي فيه الكثير من الصور الرائعة التي من خلالها يمكننا ان نضع القواعد العامة للحوار بين المجتمعات ذات المكونات العرقية والدينية المختلفة .
وهذا نابع من تعاليم الدين الاسلامي ، اذ رسم القران الكريم منهج حياة واضحا للمسلمين ، وامرهم ان تكون العلاقات الاجتماعية مبنية على الاحترام والتعاون وعلى الاعمال الصالحة بما يخدم كل البشرية ، فتطابقت النظرية مع الواقع ، فالمسلمون متساوون لافرق بينهم الا بالتقوى والعلم ، والمجتمع الاسلامي قوة اجتماعية ةسياسية ليس فية طبقات منفصلة بينهما حدود من حديد ، وافرادة يتمتعون بحرية ينظرون الى وجود الاخر بينهم نظرة طبيعية كونه جزءا طبيعيا من الكون لا يكتمل وجودهم الا به ، ولابد من التناغم معه من خلال الحوار الذي صاغ المنهج القراني اطره بالتي هي احسن ، واتباع الاساليب الحسنه والسليمة والبراهين العقلية ، فضلا عن بيان اسلوب ادارة الحوار ، حتى يكون مثمراً وبناء ابتداء من اللغه المحترمة في الحوار مع الاخر ، وان تكون مواضيع الحوار الاولى تنطلق من المشتركات عند الطرفين ليتعرف كل طرف على ما عند الاخر بما يخلق الروابط للتقارب ويحقق الاستمرار في الحوار وصولا الى المواضيع المختلف عليها .
ان الحوار الذي تبنته الحضارة الاسلامية هو حوار من اجل البشرية والانسانية ، جمعاء بما يكفل لهم التعايش السلمي والتعاون والاحترام بينهم ، ومن هنا كان نجاح الحضارة العربية الاسلامية في استيعاب الاجناس والحضارات المتنوعه التي انطوت تحت لوائها فحملت الصبغه الاسلامية فهي حضارة تركت اثر في تاريخ البشرية ، لان عقيدتها تؤمن بالتنوع بين البشر وغايتها التعاون والبحث عن المشتركات من اجل تعمير الارض والعيش بسلام وامان.
ومن هنا كانت الحضارة الاسلامية مميزة بانها حضارة الحوار والانسانية والعالمية ، وهي حضارة مبدعة وبناءة لانها احترمت الاختلاف الذي كان بين الاجناس والاقوام ، وافادت عطائهم الحضاري الذي انصهر فشكل سماته الفكريه والروحية ، فكانت حضارة الاسلامية .
وهي حضارة قادرة على النهوض والعودة الى مجدها متى ما عاد المسلمون الى المنهج القراني ، عند ذلك ستختفي التيارات الاسلامية المتطرفة والمنحرفة من الساحة السياسية ومما يعانية العالم الاسلامي اليسوم من المشاكل والانقسام والتطرف في الافكار فغدا رمزاً للتخلف واراقة الدماء ، بينما كان رمزاً للحضارة والازدهار الفكري ، يعود بالدرجة الاساس الى عدم وجود قاعدة فكرية موحدة فاصبح العالم الاسلامي ساحة واسعه ظهرت فيها نظريات مختلفة في اتجاهاتها الفكرية ، واهدافها وانتماءها وتحاول كل منها ان تثبت اهميتها زنضوج استراتيجيتها بعضها نجح ، وبعضها انتهى ، والاخر لايزال يحاول دون ان يكون بينها قاسم مشترك ولغة حوار تؤمن بقيمة التاريخ وضرورة فهمه ، واحترامه والبناء على ما يوجد من اجل الانطلاق نحو المستقبل ، فمنهج القران في كيفية التعامل بين المسلمين ومع الشعوب والاقوام الاخرى .
هومن وحد المجتمع وقواه ، وسيكون السبيل لحل مشاكل العصر التي تهدد البشرية بالفناء وهو قادر على ان يفتح للانسانية سبلا عدة يبعدها عن كل صراع وذلك حين تعتمد التربية الاسلامية الصحية التي تبدا ببناء شخصية الانسان المسلم ، البعيدة عن الانعزال ، الهادفه الى التفاعل مع العالم والتطور العلمي من اجل النهوض بالمجتمع الاسلامي بعيدا عن اسباب الضعف والتخلف من اجل الاصلاح والبناء فالدين الاسلامي سباق لما يعرف اليوم بالحقوق التضامنية .